جدة – ياسر بن يوسف – رانيا الوجيه
حينما وجد الطالب محمد 13 سنة بالمرحلة المتوسطة نفسة هدفا للتنمر من قبل بعض زملائه، بدأ يهرب من فضاء المدرسة مدعيا المرض، وعندما اكتشفت أسرته ذلك تواصلت مع إدارة المدرسة لمعرفة أسباب هروبه من الدوام الدراسي، وعندها كانت المفاجأة حيث اتضح لأسرته أن الطالب ضحية التنمّر، لأنه يتعرض يوميا للتنمر من قبل مجموعة معينة من الطلاب، وفي حينة عمل والده على نقله إلى مدرسة أخرى.
وحالة الطالب محمد واحدة من سيناريوهات التنمر التي يتعرض لها بعض الطلاب في مراحل دراسية مختلفة الأمر الذي أدى إلى أن تفطن وزارة التعليم لخطورة التنمر منذ وقت مبكر، وعملت على إيجاد سبل الوقاية والعلاج بتنفيذ عددٍ من الإجراءات، ومنها إصدار الدليل الإجرائي لقواعد السلوك والمواظبة الذي يتضمن طرق التعامل مع مخالفات الطلاب، وما يتصل منها بالممارسات العنيفة تحديداً.
وصنف الدليل، التنمر من مخالفات الدرجة الرابعة، كما وضح آلية التعامل مع هذه المخالفة، مُراعيًا في ذلك الجوانب التربوية والنفسية والاجتماعية للطالب.
كما تم إنشاء وحدات الخدمات الإرشادية التي تقدم خدمات نوعية للطلاب الذين يعانون من مشكلات نفسية أو سلوكية، وخاصةً قضايا العنف والمشكلات المرتبطة به.
“البلاد” حملت ملف التنمر والتداعيات المرتبطة بها والتقت بعدد من المختصين الذين أكدوا أن الألعاب الإلكترونية بصفة عامة تغذي سلوكيات التنمر لدى الطلاب، مطالبين في الوقت نفسه بضرورة متابعة الأسر لتصرفات أبنائها، وترويضهم في حال ما بدرت منهم سلوكيات تنم عن التنمر.
في البداية أوضحت المعلمة رباب هوساوي أن التنمر هو الاعتداء والتسلط والمضايقة عن قصد وبشكل متكرر من قبل شخصٍ أو مجموعة أشخاص على آخر، بغرض قهره و إرهابه، وايذائه، واضطهاده، وإهانته أو نيل مكتسبات منه.
والمتنمر قد يبدأ سلوكه المتسلط منذ تسجيله في رياض الاطفال ويستمر معه مدى الحياة.
وترى هوساوي من خلال خبرتها التعليمية غالبا يكون العلاج من المدرسة أولا لنقوم بإصلاح السلوك في التعامل بين الطلاب، عن طريق التواصل مع الطالب المتنمر، وتعزيز الوازع الديني في نفسه.
الطلاب المستجدون
من جهتها أوضحت فريدة فارسي صاحبة مدرسة خاصة بقولها عادة يكون سلوك التنمر على الطلاب المستجدين من ِقبل الطلاب الأقدم اللذين أسسوا مجموعاتهم داخل المدرسة، فإذا أستطاعت المدرسة بشيء ما أن توفق بينهم سينكسر حاجز الشعور بالغربة داخل المدرسة، ومن ثم من الضروري جدا أن يبعد المعلمون والمعلمات عن المقارنات وأن يجعلوا أي طالب ينافس نفسه ولا ينافس الآخرين، وألا نفرح بالطالب الذكي فقد يجني عليه ذكاؤه، بل نشجع ونفرح بالطالب المجتهد الذي يقوم بتطوير وتحسين مستواه الدراسي تدريجيا كل شهر في العام الدراسي، وجميع تلك النقاط تعتبر أحد العوامل للقضاء على التنمر في المدارس.
ضحايا التنمر
ويرى الكاتب عبدالرحمن المرشد أن التنمر موجود ولا يمكن إنكاره بين الطلاب وفي الغالب يلجأ إلى التنمر من أعطاه الله “بسطة” في الجسم، حيث يشعر أنه متفوق على أقرانه من الناحية الجسميه، ويبدأ بعد ذلك في ممارسة التسلط وإيذاء الآخرين بسبب ما يجده من خشية الطلاب منه بحكم تفوقه الجسدي عليهم، ولو شعر أن هناك أشخاصا يستطيعون إيقافه ربما يقل أو ينتهي هذا التنمر، خلاف المشاكل النفسية التي يعاني منها بعض الأفراد وتتمثل في إظهار السلوك العدواني تجاه الآخرين.
وتزداد حدة التنمر في رأيي كلما كان الضحية ضعيفا لا يستطيع أن يأخذ حقه ولذلك نجد أن الأشخاص الأقوياء تقل حدة التنمر تجاههم بعكس الضعيف الذي لا يستطيع الرد.
الإيذاء الجسدي
يقول استشاري الطب النفسي الدكتور ابوبكر باناعمة: التنمر هو ذلك السلوك العدواني المتكرر الذي يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديا أو معنويا من قِبل شخص واحد أو عدة أشخاص وذلك بالقول أو الفعل للسيطرة على الضحية وإذلالها ونيل مكتسبات غير شرعية منها”.
وأضاف: ربما لا يشعر الكثير من الآباء والأمهات أو حتى من المسئولين التربويين في المدارس بمدى المشكلة التي يقع فيها أبناؤهم أو طلابهم كضحايا للتنمر إلا بعد فترة طويلة نسبيا , وذلك كنتيجة لوقوع هؤلاء الأبناء تحت ضغط شديد وإرهاب مادي أو معنوي لا يسمح لهم حتى بمجرد إظهار الشكوى أو إعلان ما يتعرضون له حتى لا ينالهم مزيد من الأذى على يد هؤلاء المتنمرين .
وقال: لا تقتصر تلك المشكلة على صفوف ومدارس البنين فقط – رغم شيوعها النسبي فيهم – إلا أنها موجودة أيضا في مدارس البنات ولكن بحدة وصورة تناسب شخصياتهن , وتكون فيها الفتاة الضحية أكثر تحملا وأكثر استعدادا لكتم ما تعانيه نظرا للطبيعة الأنثوية.
مظاهر التنمر
من جانبه يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد براشا تتنوع أشكال ومظاهر التنمر في المدارس, والتي تبدأ عادة بتقسيم تلقائي فطري يفعله الأطفال في بداية وجودهم معا ومن ثم يستقطب الطرف الأقوى مجموعة أو ما تسمى “بالشلة” يستميلها لتكون بادرة من بوادر التنمر التي يجب الانتباه لها وتقويمها منذ البداية , ويبدأ التنمر بأشكال المداعبات الخفيفة المرحة التي تسمى ” بالمقالب ” , وسرعان ما تتحرك باتجاه أفراد معينين يُتخذون كأهداف من خارج الشلة لتتطور على نحو سريع من المداعبة اللطيفة إلى تعمد السخافات والمضايقات وإظهار القدرة والسيطرة والنيل من الضحية ليتم إخضاعه لتلك الشلة , ويتطور الأمر عند البعض في حالات كثيرة إلى العنف الجسدي المتعمد أو الإهانة النفسية المتكررة كوسيلة من وسائل التسلية واللهو واستعراض القوة وإظهار السيطرة .
اضطرابات نفسية
وفي السياق نفسه قال وائل العتيبي الإعلامي والناقد الفني إن أسباب ظاهرة التنمر كثيرة، وتعود بالأساس طبعًا للاضطرابات النفسية التي يعاني منها المتنمرون، فهم في النهاية يعانون من عقد النقص ورغبتهم الملحة بإثبات الذات، وقد تتحول الضحية الى جلاد، ومن أسباب ظاهرة التنمر الظاهرية في المجتمع هي مهارة الأشخاص المتنمر عليهم من قبل المتنمرين فقد يحدث التنمر عادة على الأشخاص الذين يمتلكون مهارات لا يمتلكها المتنمر، حيث يعاني المتنمر من عقدة النقص في العادة في هذه الحالة من التنمر، ويستمر هذا السلوك إذا كان الشخص لطيفًا ولا يقابله بقوة.
ومن ضمن الاسباب أيضا شهرة أو محبة الناس للأشخاص المتنمر عليهم تعد فكرة الانطوائية هي أمرٌ غير صحيح، فعادة ما يتم التنمر على الأشخاص المحبوبين من قبل الناس، فالاضطرابات النفسية التي يعاني منها المتنمر تجعله يشعر بالضيق من محبة الناس للشخص.
وايضا بسبب (الصدق والأمانة) يعد الأشخاص الصادقين من الشخصيات التي يتم التنمر عليها، وذلك لأسباب عديدة، فمثلًا في العمل قد يضر المتنمر الموظف الصادق، مما يجعله عرضة للتنمر من المتنمرين وذلك لإسكاته أو لجعله يخاف التحدث بصدق عن عدم إنجاز المتنمر للعمل مثلًا.
سلوكيات متكررة
أمّا أخصائية تعديل السلوك بأحد مراكز صحة الطفل إسراء عبدالله دوران فتقول : التنمّر هو ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوبة تمثل مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فرد نحو غيره، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس، وتكون عادة هذه السلوكيات متكررة، ويلجأ الأفراد الذين يمارسون التنمّر إلى استخدام القوّة للوصول إلى مبتغاهم من الآخرين، وسواءً أكان الفرد من المتنمرين أو يتعرّض للتنمّر، فإنه معرّض لمشاكل نفسيّة خطيرة ودائمة.
وقد يكون المتنمرون ضحايا في منازلهم اذ يتعرضون للاضطرابات المنزلية مثل التعنيف والضرب والأذى سواء كان جسديا او لفظيا أو جنسيا.
مرافقة أصدقاء السوء الذين يشجعون على التنمر ودعمهم له والوصول الى تسليتهم واضحاكهم من خلال التنمر على غيرهم.
شخصيات ضعيفة
وقالت اخصائيه العلاج الطبيعي والتأهيل الدكتورة أميره أحمد النجار الأطفال الأكثر عرضه للتنمر عادة ما تكون شخصياتهم ضعيفة نفسيا وبدنيا لذلك فإن الرياضة لها دور هام جدا للاطفال الذين يتعرضون للتنمر وخصوصا الالعاب الدفاعية مثل التايكوندو والكاراتيه والكونغوفو والتي تعمل على تدريب الطفل على خطوات وسرعة الدفاع عن النفس وبناء شخصية الطفل وتعويده على الاعتماد على نفسه في المواقف الصعبه.
وزيادة القوة والشكل العضلي للطفل والتي بدورها تنعكس على حالته النفسية والمزاجية واعطاء طاقة ايجابية للطفل والتي تعمل علي زياده الثقة بالنفس، كما يجب انخراط الطفل في نشاط اجتماعي والذي يعمل على معالجة القلق والعزلة والخوف والوحدة، واعطاء صورة ايجابية للجسم واحترام الذات، كما أن الحركة تساعد على تحويل طاقته الجسدية والتوتر وقلقه الى حركات وظيفية في صورة تمارين حركية رياضية.
وفي النهاية يجب التأكد من خلو الطفل من جميع المشاكل الصحية.
النرجسية من صفات الطفل المتنمر
تقول الأخصائية النفسية نهلة الوشاح: يتسم الطفل المتنمر بعدة صفات منها النرجسية وحب الذات وحب السيطرة والتحكم، والاستمتاع بإيذاء ضحاياه الدائمين اللذين يختارهم بعناية بمختلف الطرق، كما أنه يتكلم بصوت عال ليسيطر على من حوله وبأسلوب الأوامر، ويمنع الاخرين من مناقشته ويسعى ليجعل ضحيته مهملا ومستبعدا عن الفعاليات، كما يقوم المتنمر بمضايقة الضحية بإطلاق تسميات أو ألقاب ثابتة باستمرار وسرق وسلب ممتلكات الضحية، واستخدام الضرب أو اللكم أو الركل وربما شد الشعر أو تمزيق الملابس للامعان في السيطرة.
أما أسباب السلوك العدائي لدى المتنمر فتتمثل في التلقين الأسري حيث إن بعض الأسر تشجع أبناءها على السلوك العدائي، معتبرين ذلك دلالة على تفوق طفلهم وقدرته على قيادة الآخرين، إلى جانب الإهمال وهو ما تقع به أغلب الأسر التي تسعى معظم الوقت لتوفير متطلبات الحياة المادية لأولادهم، واهمال واجب تربيتهم ، أو ربما يكون بسبب خلل ظاهري وفقدان الثقة بالنفسز
ويمكن معالجة التنمر بعدة وسائل، حيث أنه من الجيد معرفة أن كثيرا من أولياء الأمور يستطيعون معالجة هذا السلوك لدى أولادهم بالتصرف السريع والصحيح، عن طريق توجيه الطفل المعتدي وتعليمه كيف يسيطر على مشاعره.
إيذاء لفظي
وتحدثت أخصائية صعوبات التعلم: زينب حسن زمزمي بقولها اثبتت الدراسات انتشار ظاهرة التنمر بين الأطفال في المدارس، حيث ويعرف التنمر بأنه نوع من أنواع الإيذاء اللفظي أو الجسدي موجه من فرد أو مجموعة على فرد أو مجموعة أضعف.
أنواع التنمر ثلاثة، التنمر الجسدي، العاطفي واللفظي.
وتتعدد أسباب التنمر ويعد المنزل سببا رئيسيا لهذه الظاهرة وذلك لعدة أسباب منها: عدم احتواء الطفل بما يكفي، ممارسة التنمر على الطفل لفظيا من قبل الابوين أو الاخوة التقليل من شأن الطفل في المنزل ومقارنته بأقرانه وعدم الرضى عن أدائه المعرفي أو السلوكي وأيضا تعزيز التنمر بقول «اللي يضربك اضربه».
وأشارت الى ان دور المعلم والاخصائي كبير في حل هذه الظاهرة ويجب استخدام طرق معينة لحل المشكلة منها مراقبة سلوك الاطفال (المتنمر والمتنمر عليه)، واكتشاف الأسباب المؤدية لهذه السلوكيات.
ومناقشة الحلول بوضوح ومصداقية مع الاهل لكلا الطرفين لمساعدتهم (المتنمر والمتنمر عليه) وتوجيه الأهل لحل المشكلة في المنزل بوجود الاخصائي النفسي.