قبل فترة طويلة حدثتني صديقة بأنها تريد المجيء إلى منزلي لرؤيتي، رحبت بها فورًا واتفقنا على يوم معين وعلى ساعة محددة بالرغم من انشغالي، وحان الوقت الموعود ولَم تأت، قلت ربما حدث لها أمر طارئ، وانتظرت وطال الانتظار، وبعد عدة ساعات غلبني النعاس حتى سمعت رنين جرس المنزل، استبعدت أنها ستأتي في هذا الوقت المتأخر، ظهرت على ملامحي علامات الدهشة، صافحتني ولَم تبد أي اعتذار لتأخيرها، وعندما سألتها لم تعطني أي عذر مقنع، فيا حسرة ذهاب هذا اليوم سدى، فلم أكمل ما لدي من أعمال متراكمة ولَم أسعد برؤيتها حيث كان النوم يغلبني.
تكررت هذه الحادثة كثيرًا مع هذه الصديقة، علمت بعدها بأنها لا تحترم أوقات الآخرين، وغالبًا الشخص الذي لا يعطي اهتماما بوقت الآخر هو شخص يعيش حياته بشكل عشوائي وبطريقة غير منظمة، فلا يهتم إذا أنجز هذا اليوم أم لا، ولا يعرف الفائدة العظيمة إذا ما أحسن تنظيم وقته.
تذكرت قصة قالها حفيد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في كتاب “هكذا ربانا جدي “يقول الحفيد عن الجد (وكان يعتبر تأخر صاحب الموعد في الوصول ولو لدقائق معدودات ذنباً يستحق العقاب الصارم، حتى لأذكر أن رجلاً وعد جدي ذات مرة بزيارة وحدد له ساعة معينة، فاستعد جدي -شأنه دائماً- قبل الموعد ولبث ينتظر، وينظر في الساعة وينتظر، وينظر وينتظر! والانزعاج بادٍ على ملامحه والضيق ظاهر في وجهه، حتى مرت ثلث ساعة كاملة. عندها دق الجرس وحضر الرجل، ففتح له جدي الباب كاظماً غيظه، وأدخله غرفة الضيوف، ثم تركه وحده وعاد للجلوس مع جدتي وبناته.
جلس معهن ثلث ساعة كاملة، أي بالقدر الذي تأخره الرجل تماماً دون زيادة أو نقصان، والرجل جالس وحده في غرفة الضيوف دون أنيس أو جليس أو طعام أو شراب. لقد قّدم جدي -لذلك الرجل-درساً عملياً أشعره فيه بالأذى الذي يسببه المرء للآخرين بإخلافه الوعد، ثم استقبله فأحسن استقباله وآنسه وأكرمه كأحسن ما يكرم المرء ضيفه).
أعجبني التصرف الحكيم الذي صدر من الشيخ، وأتمنى لو تأتيني القوة الكافية لأفعل كما فعل.
يغفل كثير مِن الناس عن أهمية احترام وقت الآخرين، فأنت لا تدري حاجة هذا الشخص للدقائق والساعات التي قضاها لأجلك وانتظارك، فقد تكون هذه الساعة كفيلة لاستذكار درس، أو مشاهدة حلقة علمية، أو مجالسة طالب علم، فيجب علينا أن نلتزم بهذا الوقت ونقدّم الاعتذار إذا ما حدث لنا ظرف يدعو للتأخير، فإن احترامك لوقت صديقك ينبع من احترامك له شخصيًا.
Nevenabbas88@gmail.com