لقد حدث أن رأيت رجلاً ذا فتوة عالية ، يتطاول على طفله الصغير الذي لم يتعد السنتين من عمره وينقض عليه كالوحش الكاسر ، يصفعه على وجهه البريء ويركله على مؤخرته ورجليه، والطفل يتوسل إليه بالبكاء الشديد ويستجدي الآخرين أن أنقذوني وخلصوني منه ، وحين استجبت لنداء هذا الطفل الجريح وحاولت ثني والده عن ضربه ، ردّ علي ذاك الأب المتنمر بكل استعلاء قائلاً بلهجته :(مو شأنك)، وهذا طفلي وليس طفلك.
يا ترى هل أذعن لرغبته وأمضي وشأني ؟! الحمد لله إن الضمير مازال حياً وهيهات أن يغلبني سوء تصرفه وأذى ما تلفظ به .
فكيف لي أن أصمّ آذاني عن صرخات أطفال يتوجعون ولا أهب لنجدتهم ! كيف لي أن أرى رضيعاً قد تركه والديه في مركبة وحيداً ولا أخبر المرور عنه ! ، كيف لي أن أرى طفلاً يسهر إلى وقت متأخر من الليل ولا أنصح أبويه بفوائد نومه المبكر، كيف لي أن أرى طفلاً مشرداً يلتحف السماء ويفترش الأرض ولا أسعى إلى إيوائه والأخذ بيده، كيف لي أن أرى طفلاً يدخن بعيداً عن الأنظار ولا أنصحه بالتوقف عن التدخين حفاظاً على البيئة ورئتيه، كيف لي أن أشاهد طفلاً يقضي الساعات الطوال على جهاز الآيباد ولا أحميه من مؤثراته الضارة على العقل والإدراك، كيف لي أن أغضّ الطرف عن طفل اُستدرِج إلى مهاوي الرذيلة ولا انتصر له؟.
إن الأب الذي عنف ابنه واستباح انسانيته هو لا يملك السلطة المطلقة عليه، ويجب أن لا نكتفي بإسداء النصح والتوجيه له، بل يجب التبليغ عنه للجهات المختصة التي ستطبق بحقه نظام حماية الطفل ولائحته التنفيذية، وأن يؤخذ طفله المعنف إلى دور الرعاية الاجتماعية لتلقي العناية والعلاج النفسي.
أطفالنا هم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض، هم فرحة عمرنا وقرّة عيوننا، وهم أمل الحاضر وبناة المستقبل، وإن العطف عليهم ورعاية شؤونهم هو بالتأكيد واجب وطني وشأن عام، حيث الكل يتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوقهم في العيش الآمن والحياة الكريمة.