هل نتلمس وداعة الحياة بما فيها من بعض الجمال، هل ننام بعمق ونتنفس بانتظام، هل نأكل المفيد من الطعام ونشرب النقي من المياه ؟ هل نتحاور بهدوء وننصت بإمعان؟ لماذا كل هذا التشتت ؟! لقد تحدثت في أمر هام مع زملائي وطارت معظم أفكاري ، لقد أطعمت حفيدي فأنقصته جلّ غذائه، لقد حضرت مجلس العزاء ونسيت أن أواسي الناس بقلبي وجروحي، وشر البلية ما يضحك.
نعم نسيت وتشوشت ولم أدرك حتى اللحظة لماذا فعلت هذا ولم أفعل ذاك؟ !
لقد غيرت التكنولوجيا حياتنا، وصرنا بالكاد نسمع صوت غيرنا وبالنادر ما نستوعب الذي يدور حولنا، وبات من المخجل أن لا نعي أننا في حضرة كبير واجب تلمس احتياجاته وصغير واجب التحاور معه، ومهام مستعجلة يجب الالتفات إليها والعمل على إنجازها، فبات أكثر همنا في كل فعالية تقام ومؤتمر يعقد أن نتصور مع المشاهير ونلتقط السيلفي إلى جانبهم وكأننا في رحلة ترفيهية نتسامر فيها مع الأهل والمعارف، متغافلين المقاصد الذي جئنا لأجلها والمحتوى الفكري الذي يحتم علينا تعزيزه، فقد اشتغلنا مصورين ومحللين من دون تكليف ولا استئذان، نصور الحدث ونرفع صوره على المنصات الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، نمدح هذا ونقدح بذاك، من غير تحقق لخبر ولا فهم لما يتركه الأثر.
والمضحك المبكي أننا دخلنا عالم الديجيتال والتكنولوجيا الحديثة وافتقدنا الذائقة الجمالية للإبداع الأدبي وخاصة في الشعر، فلم يعد جيل الشباب يستوعب ما يكتب من قصائد شعرية وما يتردد من حكم وأقوال، وخاصة تلك التي تخاطب الوجدان وتصف ما يكابده الشاعر من لوعة الفراق وشوق المحبين، ولا غرابة اليوم أن تجد أحدهم يفسر بيت الشاعر أحمد شوقي الذي يقول فيه:
(وتعطلت لغة الكلام وخاطبت ….عيني في لغة الهوى عيناك) بأن كلمة (تعطلت) تعني توقفت عن التحدث وأن كلمة عيني وكلمة الهوى في الشطر الآخر يرمز لها برسم للعيون وفي داخلها رسم للقلوب قد تشير لحال المحب وقد لا تدل أبداً .. والله أعلم.
هل رأيتم كيف خويت أرواحنا وتجمدت عواطفنا، هل رأيتم كم تعبت عقولنا من كثرة التفكير في اللامعقول، وطول انتظار في اللاشيء، لقد أصبحنا كمشردين معدمين نقف على قارعة الطريق في أرض جرداء ننتظر غودو المنقذ الذي سيأتي ليخلصنا من معاناتنا ويبث الأمل في حياتنا.
اشتقنا لضحكاتنا، اشتقنا لأولادنا، اشتقنا لمنتجاتنا البلدية، اشتقنا لبساطة الحياة، اشتقنا للموسيقى الهادفة والفن الرفيع، اشتقنا لتراثنا العريق وقيمنا الأصيلة، اشتقنا لكل جميل افتقدناه.