البلاد – رضا سلامة
تهديد وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، لانتهاكاتها المستمرة للاتفاق النووي المبرم بينها والدول الست الكبرى عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة رسميًا في 8 مايو 2018، يؤشر لبداية تحرك تدريجي للموقف الفرنسي والأوروبي بصفة عامة نحو سياسة “الضغط الأقصى” التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه طهران، مما يؤكد فشل تكتيك الابتزاز الإيراني للدول الأوروبية عبر تقليص التزاماتها النووية، في محاولة لإيجاد طرق بديلة لإنقاذ الاقتصاد، الذي من المتوقع أن يتعرض لمزيد من الانهيار في ضوء الموقف الفرنسي الجديد المعبر عن توجه أوروبي سئم من مناورات وألاعيب وتجاوزات الملالي، الأمر الذي سينعكس على الداخل الإيراني بمزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتدهور الأحوال المعيشية للإيرانيين، مما يقرب من المواجهة النهائية المتوقعة بين الشعب الإيراني من جهة، ونظام الملالي الحاكم الذي أهدر ثرواته على مغامرات ومليشيات وأذرع إرهابية في الخارج، ونجا من انتفاضات 2009 و2018 ونوفمبر 2019بالقمع والإمعان في سفك دماء الإيرانيين.
• عدة أسباب
لودريان أقر في كلمته بالجمعية الوطنية الفرنسية بأن الجهود الفرنسية التي قادها الرئيس إيمانويل ماكرون عدة مرات، لوقف التصعيد بين إيران والغرب، لم تؤدِ إلى نتيجة، منوها إلى دور السلطات الإيرانية في هجمات إرهابية إقليمية، وإلى أن سلوك المرشد خامنئي والرئيس روحاني تجاه المتظاهرين الإيرانيين يعطي الحق للأمريكيين بسياسة الضغوط القصوى، في إشارة إلى القمع المفرط في تعاطي الملالي مع انتفاضة البنزين التي اجتاحت عموم إيران في 15 نوفمبر الجاري، كما طالب”لودريان” طهران بالإفراج عن باحثين فرنسيين معتقلين في إيران منذ يونيو الماضي دون أسباب حقيقية.
• العقوبات الأممية
وعقوبات الأمم المتحدة التي رفعت عن إيران في يناير 2016 نتيجة للاتفاق النووي الموقع في يوليو 2015، والتي تعيد تصريحات وزير الخارجية الفرنسي المجال لإعادة فرضها جزئيًا أو كليًا تشمل:
عقوبات مجلس الأمن الدولي في يوليو 2006 وفق القرار رقم 1737 وتطال برامجها النووية والباليستية، ويلزم القرار كافة الدول “أن تمنع تسليم إيران أو بيعها أو تحويل إليها أي معدات أو تجهيزات أو تكنولوجيا يمكن أن تسهم في نشاطات إيران في المجالين النووي والباليستي”.
وفي ديسمبر من العام نفسه أصدر مجلس الأمن قرارا آخر تضمن عقوبات على الأفراد والشركات المرتبطين بالمشروع النووي الإيراني.
قرار في مارس 2007، يتضمن توسيع العقوبات على الأفراد والشركات المدرجين على قوائم العقوبات، وشمل تجميد أرصدة 13 كيانًا جديدًا مرتبطًا بالبرنامج النووي وفرض حظر على مشتريات الأسلحة الإيرانية.
وفي مارس 2008 أصدر مجلس الأمن قرارا بتوسيع تجميد الأصول والحسابات الإيرانية، ودعا إلى مزيد من الرقابة على النظام المصرفي الإيراني، وكذلك عمليات النقل الجوي والبحري.
وفي يونيو 2010 صدر قرار آخر عن مجلس الأمن بتوسيع تجميد الأصول التابعة لأشخاص وشركات مرتبطين بالمشروع النووي الإيراني.
• الخارج والداخل
وللتغير التدريجي في المواقف الفرنسية والأوروبية تجاه إيران تأثيرات خارجية سلبية كبرى على نظام طهران، الذي كان يحاول منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، اللعب على تباين الموقفين الأوروبي والأمريكي وتوسيع الشقاق بينهما، لصناعة حاضنة أوروبية تحميه من عقوبات واشنطن القاسية وغير المسبوقة دوليًا، والتي نجحت في تصفير صادرات النفط “تقريبًا”، وحاليًا سيتجه النظام الإيراني لعزلة دولية شبه تامة مع التوقعات”في مرحلة ما” بتخلي بكين وموسكو عنه، بحثا عن مصالحهما المشتركة مع واشنطن، وهي لا تقارن إطلاقًا بمكاسبهما من العلاقة مع نظام طهران، المرفوض والمنبوذ من محيطه الإقليمي باستثناء الحليف التركي الذي سيتخلى عنه كعادة نظام أردوغان ، ولن يتبقى للملالي سوى المليشيات الإرهابية الموالية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتي تضررت وستتضرر أكثر من تأثيرات العقوبات على حكام طهران.
ويظل الداخل المعضلة الكبرى أمام النظام الإيراني، حيث يتداعى الاقتصاد مع مرور الوقت وتتفاقم معاناة الشعب من القهر وسوء الأحوال المعيشية، ويتراكم الغضب في نفوس الإيرانيين، في انتظار أي شرارة تشعل انتفاضة جديدة ستكون أكثر دموية، وستطيح في النهاية بالنظام الذي خسر الغالبية العظمى في الداخل والخارج.