فعلا َمن يستحق الحب؟ قالها بذلك الحُبُّ الجارف لأجل بلاده، المفكر والأديب الأستاذ أحمد محمد جمال، كأبرز المشاركين في صناعة أهم قرارات البناء والتنمية في المملكة، فهو رجل دولة ينتسب لأعرق بيوت مكة المكرمة، التي انبثق من بطحاها مشاعل أنوار الهدى، ومن جبالها شعاع الإيمان، يزيد أبنائها ورجالها وهجًا وتعلقًا وارتباطًا بذلك الكيان المقدس، ويبقى الحديث بنكهة أهل مكة عذبا شذيًا عن هذه الشخصية متعددة السمات والخصائص،
فالكاتب بمجرد تفكيره بتناول شيئا من مآثره بما عُرف به من أخلاقيات الكبار وتواضع العلماء، لذا انتابني شعور من الحيرة والتردد، حين فكرت في الكتابة وكيف تكون البداية بما يليق بمكانته وغزارة علمه، وأنا مِمّنْ تشرف أن يكون أحد طلابه في مادة الثقافة الإسلامية، بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ورسخت شخصيته في ذاكرتي، وكم كنت حريصًا أن التقي به، عند بداية التحاقي بالعمل الصحفي، ولاسيما بالصحافة الأدبية وحضور العديد من المناسبات التي يقيمها النادي الأدبي بجدة، بفندق العطاس حيث الحراك الثقافي، بحضور كبار الرعيل الأول من أدبائنا في ذلك الزمن الجميل، ومع طول تلك الفترة إلاَّ إنني ندمت كثيرا كوني لم أتمكن من الالتقاء بذلك النموذج الفريد، معترفا بتقصيري نحو أستاذ جيل من الطراز الأول، استطاع بسمعته ومشاركاته في مجالات متعددة، في بحور الأدب والتأليف والوظائف القيادية التي تسنَّم هرم إدارتها.
ومن المبالغة الادعاء بأن هذه المساحة من صفحة الرأي، تكفي للإلمام بجميع ما أسند إليه من مهمات رسمية، نجح في أداء واجبه بتوفيق الله ثم دعم أولياء الأمر لهذه البلاد، فما يجب أن يكتب عن إنجازات هذا المفكر وأمثاله، لتوثيق سيرتهم ونتاجهم الأدبي، كمؤلفات تنافس الكثير مما كُتب عن أقرانهم محليا وعربيا، بل إن كفتهم هي الأرجح بما سطرته أقلامهم، إن لم يكن أصابها غث غزارة الإنتاج الرديء وأخذت طريقها في منصَّات معارض الكتاب السنوية، لاسيما الإنتاج السريع لصغار المؤلفين والروائيين وكتاب القصة القصيرة الجُدد.
ولحرصي لإعطاء الأديب الكبير حقَّه، بادرت بالاتصال بأخي الأستاذ مؤمل أحمد جمال (أبو عمرو) لأستأذنه بالكتابة عن السيد والده، والذي أحالني مشكورا لشقيقة الأكبر الأستاذ رجاء ( أبو عطاء)، فكان كريما بتزويدي ببعض بما يعرفه عن والده رحمه الله، ومنها رسالة ماجستير بعنوان (أحمد محمد جمال حياته وأدبه)، للباحثة أمل أحمد حسن منشي، أعدتها منذ ما يقارب العشرين عاما، وظنِّي أنها نالت شهادة الدكتوراه فيما بعد في تخصصها، الرسالة اشتملت على العديد من الفصول التي تروي نهم وعطش الباحث والقارئ الناقد، والذي تفتقده صحافتنا الأدبية، لتوثيق الكنوز الثمينة لهؤلاء الأدباء الأوائل.
ترنيمة: شعر الأديب أحمد محمد جمال
لك يا بلادي الحبُّ مني خالصاً … من يستحق الحُبَّ غير بلادي