القاهرة – رضا سلامة
تواترت على مدار أعوام، أنباء وقرائن وتحليلات تشير إلى العلاقات الوثيقة بين “تركيا أردوغان” وتنظيم داعش الإرهابي، إلا أن ملابسات تصفية أمريكا لأبو بكر البغدادي، قبل أسبوع، قد أكدت مصداقية ومنطقية هذه الأنباء والقرائن والتحليلات، وأن حاكم أنقرة مؤسس “العثمانية الجديدة”، قد استخدم التنظيم الأكثر وحشية ودموية على كوكب الأرض كورقة سياسية لتحقيق أطماعه وأهدافه، وهذه الأدلة تتعلق بـموقع المكان المقتول فيه زعيم تنظيم داعش الإرهابي، وطبيعة السيطرة في المنطقة، وإبعاد تركيا المتعمد عن أي دور في العملية، والحضور القوي لقوات سوريا الديمقراطية ” قسد” أشد أعداء تركيا في تفاصيل العملية، والإشادة الأمريكية بمشاركة العراق وروسيا والأكراد في إنجاز المهمة بنجاح.
• موقع العملية
أمريكا قتلت البغدادي في مخبأه بحضن تركيا، وبمجال سمعها وبصرها، وداخل مرمى نفوذها وسطوتها، حيث يقع مخبأ البغدادي في قرية ” باريشا” السورية على بعد5 كيلو مترات من الحدود التركية، وعلى مقربة من معبر “باب الهوى” الحدودي بين تركيا وسوريا، وعلى بعد 20 كيلومترًا شمال مدينة إدلب، كما أن المنطقة خارج سيطرة جيش النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية” قسد” التنظيم ذو الغالبية التركية المتحالف مع أمريكا في حربها على داعش، وأيضا فقد داعش قوته في المنطقة باستثناء خلايا نائمة.
• السيطرة في المنطقة
تخضع قرية ” باريشا” ومنطقة إدلب عمومًا للسيطرة المباشرة للجيش التركي، وتتم عمليات تهريب البشر والوقود وكافة المستلزمات الأخرى، تحت إشراف المخابرات التركية، وتدير هيئة تحرير الشام ” جبهة النصرة سابقًا” المنطقة، بالمشاركة مع تنظيمات إرهابية أخرى، وجميعها تنظيمات محسوبة على أنقرة وتأتمر بأمرها، وكثيرًا مع طرحت تساؤلات، عن كيفية تحكم تنظيمات موالية في غالبيتها للقاعدة في منطقة تحت السيطرة المباشرة للجيش والمخابرات التركيين. ويذكر أن تركيا قد حولت محافظة إدلب إلى أكبر بؤرة إرهابية في العالم، وحشدت فيها أكثر من 40 ألف مقاتل، معظمها من الأجانب المطلوبين للعدالة في سوريا ودول أخرى.
• إبعاد متعمد
ومظاهر الإبعاد الأمريكي المتعمد لتركيا عن العملية واضحة للعيان، حيث كان لافتًا أنها لم تنطلق من “إنجرليك” القاعدة الجوية الرئيسية للحلف الأطلسي في تركيا، والتي على بُعد أقل من 100 كيلومتر من قرية “باريشا”، وإنما انطلقت من أربيل بشمال العراق، على بُعد 650 كيلومترًا؛ مما يكشف الخشية من تسرب المعلومات عبر تركيا إلى البغدادي.
وقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة لم تخطر تركيا بتفاصيل المهمة، الأمر الذي أكده مسؤولون في البنتاجون، بينما لم يشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دور لبلاده في العملية، خلال بيانه تعليقًا عليها، بينما اكتفى وزير دفاعه بذكر أنه كان هناك اتصال أمريكي قبل ” الغارة”، مما يشير إلى أن واشنطن أبلغت أنقرة فقط بتحليق طائراتها الهليوكوبتر في المنطقة؛ تفاديًا لتعرض النيران التركية لها، دون التطرق إلى طبيعة المهمة أو تفاصيل الصيد الثمين.
• حضور ” قسد”
وعلى عكس تركيا، كانت قوات سوريا الديمقراطية حاضرة بقوة قبل وأثناء وبعد استهداف القوات الخاصة الأمريكية للمطلوب الدولي رقم 1 أبو بكر البغدادي، حيث أكد مظلوم كوباني قائد “قسد” أن العملية تمت بعد تنسيق استخباراتي مع أمريكا استمر 5 أشهر، ونوه إلى عملية أخرى منسقة مع الأمريكان بعد تصفية البغدادي، جرى خلالها قتل “أبو الحسن المهاجر” المتحدث الرسمي باسم وزارة إعلام تنظيم داعش، المتمثلة في مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي ووكالة أنباء “أعماق”.
وقد أشادت أمريكا بحرارة بدور ” قسد” في العملية، باعتبارها حليفا موثوقا لها، مما يؤكد أن تركيا كانت غير مؤتمنة على المشاركة فيها، وشملت الإشادة كلأ من العراق الذي قدم معلومات بالغة الأهمية، ساهمت بالتخلص من البغدادي، وروسيا التي ضمنت سلامة الحوامات الأمريكية، بصفتها المتحكمة في الأجواء السورية، بينما جاءت الإشادة بتركيا باهتة وعلى استحياء، وكأنها من باب “تجنب العتب”.
إذا كانت العلاقة بين “تركيا أردوغان” وداعش والبغدادي أثارت الريب والشكوك، على مدار أعوام وفي حياة البغدادي، فأنها اكتسبت مصداقية كبيرة خلال عملية تصفيته، ولا شك أن الفترة المقبلة ستشهد كشف الكثير من الأسرار في هذا الملف المشين.