يعتبر قطاع التعليم العالي في اليمن من أكبر القطاعات المدنية استهدافاً والأكثر تضرراً من الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2015، حيث اتجهت سهام المشروع الإيراني بفجاجة إلى الجامعات، مستهدفة وبلا مواربة التعليم الجامعي مؤسسات ومنهجاً وهوية.
ومنذ الانقلاب الغاشم ارتكبت مليشيا الحوثي الإرهابية الانقلابية بحق الجامعات اليمنية بسلسلة طويلة وغير منتهية من الجرائم والانتهاكات المختلفة، سعياً منها إلى تسخير هذه المؤسسات التعليمية الكبيرة لصالح مشروعها الطائفي السلالي، واستغلالها في توجيه الصراع المسلح لصالح أهداف المشروع الإيراني في المنطقة.
ومثلما أصابت مؤسسات الدولة اليمنية – عسكرية ومدنية – نكبة الانقلاب الحوثي، فإن التعليم الجامعي لم يكن بمنأى عن هذه النكبة، إن لم يكن الأكثر تضرراً، حيث هدمت المليشيا الحوثية الإرهابية الإيرانية كل ما تم تشييده خلال سنوات طويلة من البناء المؤسسي والتعليمي والأكاديمي، وأصبحت الجامعات اليمنية خاوية من الداخل، فيما معاول الهدم الحوثية تنال مما تبقى من هذا الصرح التعليمي الوطني.
وحولت مليشيا الحوثي الإرهابية الجامعات اليمنية الواقعة تحت سيطرتها إلى ثكنات عسكرية، وثكنات لمجاميعها المسلحة، فبدت جامعة صنعاء ـ أكبر وأقدم الجامعات اليمنية – وكأنها معسكر، تنشر في جنباتها العناصر المسلحة للمليشيا الحوثية وبصور مستفزة، وتحولت كلياتها إلى محاكم لتفتيش نوايا الطلاب من قبل عناصر مسلحة لا علاقة لها بالجامعة.
وخلال نحو 5 سنوات تعرض مئات الطلاب والطالبات في جامعة صنعاء لاعتداءات العناصر الحوثية المسلحة الجائلة في ساحات الكليات وأمام بواباتها، وتدخلت هذه العناصر في القضايا الشخصية للطلاب وحتى في طريقة لباسهم، وفرضت عليهم قيوداً تتوافق مع توجهات الجماعة الطائفية.
// قمع وتنكيل //
كما حولت المليشيا الحوثية الإرهابية الجامعات الحكومية وكذا الخاصة في مناطق سيطرتها إلى ساحات لممارسة العنف ضد منتسبي هذه الجامعات، لا سيما الطلاب منهم، ولم تتوقف حتى عن توجيه عنفها وبطشها باتجاه الأكاديميين والموظفين الإداريين.
ومنذ الأشهر الأولى للانقلاب سعت مليشيا الحوثي إلى بث الرعب داخل جامعة صنعاء، بممارسة شتى وسائل العنف، بدءاً من إطلاق الرصاص الحي، ومنع أي مظاهر احتجاجية وقمعها بقوة، ومن يومها لا يكاد يمر أسبوع دون حدوث انتهاكات تطال طلاباً جامعيين أو موظفين أو أكاديميين، وهو الأمر الذي يتكرر بصورة مستمرة في جامعات الحديدة، وإب، وذمار، والكليات التابعة لها في المحافظات الخاضعة لها ووصل الإجرام الحوثي إلى الاعتداء المباشر على أعضاء هيئات التدريس في الجامعات بالضرب والإهانة، والتهديد والاختطاف، بل إن عدداً منهم تعرضوا للتعذيب، وكان لأساتذة جامعة صنعاء النصيب الأكبر من الهمجية الحوثية، على أن تكميم أفواه الأكاديميين والطلاب على حدٍ سواء بات من أساسيات السيطرة الحوثية.
وحسب إحصائيات صدرت قبل 5 أشهر فإن مليشيات الحوثي تُغيّب في سجونها نحو 60 أكاديمياً كما فصلت نحو 115 من أساتذة الجامعات.
واتساقاً مع سياسية الإفقار والتجويع للشعب اليمني، ليستسلم لمشروعهم السلالي، فقد عمد الحوثيون إلى محاربة منتسبي الجامعات اليمنية، فمارست النهب بحق الموظفين والأكاديميين، بدءاً من قطع رواتبهم، ما دفع أعداداً كبيرةً منهم إلى مغادرة البلاد، ولجأ مئات الأساتذة إلى مهن أخرى لإعالة أسرهم، وقد تداولت وسائل إعلامية يمنية قصصاً وصوراً لأكاديميين يعملون في مهن شاقة بعد أن صودرت مرتباتهم.
وبالتوازي مارست المليشيات الحوثية الإرهابية هواياتها الإجرامية في نهب إيرادات المؤسسات الحكومية ومنها الجامعات لصالحها، وهو الأمر الذي حدث ويحدث في أكبر الجامعات اليمنية، التي فتحت المليشيا خزائنها المالية لمشرفيها وقادتها دون حسيب، ووصل الأمر إلى سرقة الآلات والمعدات والمطابع.
ولم يسلم حتى الطلاب من أعمال الابتزاز والنهب حيث فرضت عليهم المليشيا أعباءً إضافية، ورسوم تسجيل باهظة، وأثقلت كاهلهم بإتاوات لتمويل مجهودها الحربي ومناسباتها السلالية.
وكما تعرض أساتذة الجامعات لقطع مرتباتهم ونهبها، فقد أقدمت مليشيات الحوثي الإيرانية على الفصل التعسفي للعشرات بشكل دوري وممنهج، واستبدال من يبدون احتجاجاً أو يشاركون في إضرابات للمطالبة بحقوقهم، بعناصر موالية، وقبل 3 أشهر فقط أقدمت على فصل العشرات من الأكاديميين الذين لا يخضعون لها وبشكل معلن.
وقد تسببت هذه الممارسات الحوثية في مغادرة أعداد كبيرة، وهجرتها خارج البلاد، وباتت الجامعات اليمنية خالية على عروشها، إلا من كوادر حوثية تتحكم في المسارات الدراسية، لتجعل من الجامعات محاضن خادمة للمشروع الحوثي الإيراني.
ومن اليوم الأول لسيطرة المليشيا الإرهابية على الجامعات، فرضت عليها مشرفين تابعين لها، وبدأت في “حوثنة” المناصب القيادية، وفرض قيادات للجامعات من خارج هيئة التدريس تتسم بالولاء المطلق للجماعة الانقلابية، وتعتنق المشروع الإيراني، الطائفي ومع حوثنة المناصب الإدارية والأكاديمية في الجامعات، بدا الفساد هو سيد الموقف، حيث تشير تقارير تم نشرها خلال العامين الأخيرين عن ممارسات فساد مكشوفة بالمليارات تمارسها العناصر الحوثية التي تم إحلالها في الجامعات دونما أي رادع، فيما يتضور الموظفون وأسرُهم جوعاً دون رواتب لما يقرب من 3 أعوام متواصلة.
وتشير الإحصائيات إلى أن إيرادات الجامعات الحكومية البالغة 5 مليارات ريال سنوياً تتحصلها من رسوم التسجيل ورسوم التعليم الموازي، تبتلعها المليشيا الحوثية سنوياً، إضافة إلى مبالغ كبيرة تتحصلها من الجامعات الأهلية.
وقد دأبت المليشيات الحوثية على إيجاد كيانات طلابية وأكاديمية موازية كبديل للكيانات الشرعية، مستخدمة أساليب البطش والترهيب في فرض واقع جديد.
لقد كان واضحاً أن المليشيات الحوثية الإيرانية تسعى إلى تحويل الجامعات إلى منصات طائفية، تمارس من خلالها أنشطة مغايرة، وتروج لأفكار وافدة وشاذة، تهدف من خلالها تحويل منتسبي الجامعات إلى قطيع يخدم المشروع الإمامي، وهو ما يلقى مقاومة كبيرة داخل الجامعات.
وتجبر المليشيات الحوثية الإرهابية الأكاديميين والموظفين والطلاب في الجامعات على حضور دورات وأنشطة طائفية، تروج من خلالها لثقافة العنف والإرهاب، وبموازاة ذلك تعمل على تكريس منهج تعليمي يؤسس لثقافة نظام ملالي طهران، وتنشر من خلالها أفكاراً سلالية تؤله قيادات الجماعة الإيرانية.
وكالعادة تتوج المليشيات الحوثية هذه الأنشطة المشبوهة بأنشطة أخرى متقدمة، تجني من خلالها ثمار جهودها، في استقطاب وتجنيد طلاب الجامعات بشتى الوسائل، ووصل الأمر إلى دعوة القيادي الحوثي حسن زيد إلى تعليق الدراسة لمدة عام، وإرسال الطلاب والأساتذة إلى جبهات القتال من أجل حسم المعركة التي يخوضها الحوثيون ضد الحكومة الشرعية.
وفي حفلات تخرج شهدتها جامعة ذمار بدت مقاعد عشرات الخريجين خالية إلا من صورهم المؤطرة باللون الأخضر، حيث أنهم قد أصبحوا في عداد القتلى بعد أن دفعتهم مليشيا الحوثي إلى جبهات القتال، في الوقت الذي تمنح فيه الجامعات التي تسيطر عليها القيادات السلالية، شهادات التخرج لعناصرها دون حضورهم ودون حتى أن يؤدوا الامتحانات، فهم مشغولون في الجبهات بقتال اليمنيين.