تابعت على مدى شهر كامل، الفيلم الوثائقي الذي بثَّته قناة (MBC 1) الفضائية، الذي كان يعرض في العاشرة مساءً بتوقيت مكة المكرمة يوم الاثنين من كل أسبوع، عن الراحل الكبير فقيد الوطن، فقيد الأُمَّة، فقيد الجميع، أخي العزيز الغالي الأمير سعود الفيصل، طيَّب الله ثراه، رئيس الدبلوماسية السعودية، عميد الدبلوماسيين العرب لأربعة عقود.
تم عرض الجزء الأول من هذا الفيلم الوثائقي يوم الاثنين 3/1/1441ه، الموافق 2/9/2019م؛ فيما تم عرض الجزء الرابع الأخير يوم الاثنين 23/1/1441ه، الموافق 23/9/2019م، الذي صادف حلول الذكرى التاسعة والثمانين ليومنا الوطني الخالد. وحقَّاً لا أدري إن كان هذا بقصد من القناة التي عرضت الفيلم، أم إنها مجرد الصدفة التي هي خير من الوعد كما يقولون؛ فقد ارتبط اسم الراحل الكبير بالوطن الذي تشرَّب معانيه العظيمة السامية حتى النخاع، ونافح عنه بكل ما يملك من قدرة وسعة حيلة طيلة حياته التي كانت حافلة بالعمل والإنجاز والإبداع.
استعرض الفيلم كما يدرك كل من تابعه شهادات كوكبة كبيرة ممن عرفوا الفقيد الغالي عن قرب، أو عملوا معه من إخوته وأخواته: الأميران خالد الفيصل وتركي الفيصل، الأميرتان لولوة الفيصل وهيفاء الفيصل، ومن أبنائه الأمير خالد بن سعود الفيصل والأميرة لنا بنت سعود الفيصل وزوجها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ورؤساء حكومات كسلام فياض رئيس وزراء فلسطين السابق، وزملاء في الحقل الدبلوماسي مثل جيمس بيكر وزير خارجية الولايات الأمريكية المتحدة الأسبق، إضافة إلى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، وجميل الحجيلان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية السابق، إضافة إلى أمينه الحالي عبد اللطيف بن راشد الزياني.
وموظفون أمميون كالدكتورة ثريا بنت أحمد عبيد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، بجانب زملاء في وزارة الخارجية مثل السفير أسامة بن أحمد نقلي، الذي يشغل حالياً منصب سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، والأستاذ نزار بن عبيد مدني وزير الدولة بوزارة الخارجية، والسيد نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية السابق، والسيد عمرو موسى الذي عرف الفقيد عن قرب أثناء عمله وزيراً لخارجية مصر ثم لاحقاً أميناً عاماً للجامعة العربية. ووزراء آخرون مثل محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق، وسعدون حمادة وزير البترول الأسبق في العراق، وأصدقاء مثل سعود الشواف وآخرون. بل تحدث عن سعود الفيصل رؤساء دول مثل أمين الجميل رئيس جمهورية لبنان الأسبق.
ومثلما كان حديث هؤلاء مصحوباً بالدموع والحسرة على ألم فراق العزيز الغالي فقيد العالم، والغصة في الحلق، كذلك تابع محدثكم كل حلقات الفيلم، غير أن حزني على رحيل الفقيد الغالي كان مشوباً بالفرح في الوقت نفسه، لما اضطلع عليه كثيرون ممن شاهدوا الفيلم في العالم من هذا الإرث العظيم الذي خلَّفه الفقيد، وهذا الدور المهم الذي كان يضطلع به على مدى أربعة عقود، مدافعاً عن مصلحة بلاده، ومنافحاً عن حقوق العرب والمسلمين، وساعياً حثيثاً لإرساء السلام والاستقرار وبسط الأمن والأمان في العالم.
أجل، كان أخي سعود أُمَّة لوحده، تحمَّل من المشاق ما تعجز عنه العصبة من أُولي القوة في أداء هذا الواجب العظيم تجاه الأُمَّة، إذ قضى معظم سني عمره المبارك محلِّقاً في الجو على متن الطائرة، يجوب العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، شارحاً سياسة بلاده ومبادئها السامية العظيمة التي تمثل جوهر رسالتها، ومحذراً العالم في الوقت نفسه من تداخلات السياسة العالمية وتقاطعاتها.
فرحمك الله أيها الأخ العزيز الغالي.. لقد تعلقنا بك كلنا، لما عهدناه في شخصك العزيز الغالي من كريم الخصال وعظيم السجايا؛ وجزاك عنَّا وعن الأمتين العربية والإسلامية وعمَّا أسديت للبشرية خير الجزاء، وجعل مثواك الجنة، وألهمنا الصبر والسلوان على رحيلك الذي ترك فراغاً في كل بيت سعودي، لن يشغله غيرك. آملاً أن تجد قبيلة الدبلوماسية السعودية والعربية والإسلامية في سيرتك خير معين لها في الدفاع عن قضايا الأُمَّة وتحقيق أهدافها في الأمن والاستقرار والعيش الكريم.