في مثل هذه الأيام من كل عام، يعم الفرح بلادنا الطيبة المباركة في جميع أرجائها.. في مناطقها، محافظاتها، مراكزها، مدنها، قراها وهجرها؛ ويكون اللون الأخضر الخفَّاق، لون الراية السعودية العزيزة الغالية، التي تُعَدُّ أعظم راية في الوجود لأنها تحمل كلمة التوحيد التي تمثل أساس رسالة هذه الدولة الفتية المباركة.. دولة الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وتعظيمه وتمجيده، والثناء عليه، وإعلاء كلمته، وإفراده عزَّ و جلَّ بالعبادة.. احتفاءً بيومنا الوطني المجيد، الذي يمثل اعتزازاً بتاريخنا، وترسيخاً لمكانة هذا الوطن بين الأمم، وتطلع لغدٍ مشرقٍ بالنماء والرخاء، كما أكد مليكنا المفدى سيدي الوالد المكرم، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، في تغريدته بمناسبة هذا اليوم الخالد.
أجل.. دولة الدعوة إلى تآلف القلوب، وتوحيد الصفوف، ونبذ كل مظاهر الفرقة والشَّتات من قبلية وعنصرية وجهوية ومذهبية.. دولة الدعوة إلى العمل والانجاز والإبداع ونفع الناس أجمعين، وخدمة العرب والمسلمين في كل المحافل والميادين.. دولة الدعوة إلى الخير والمحبة والسلام والوئام، وترسيخ الأمن والأمان.
ولهذا كان المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، والد الجميع، طيَّب الله ثراه، لا يفتأ يكرر ويعيد في كل مناسبة تقريباً: ( نحن آل سعود، لسنا سعاة سلطة، بل أصحاب رسالة). ولهذا أيضاً كثيراً ما يؤكد سيدي الوالد المكرم سلمان، قائد سفينتنا اليوم: (إن أعظم إنجاز حقَّقه عبد العزيز، هو وحدة القلوب قبل وحدة الجغرافيا). فأصبحنا كلنا اليوم في هذا الوطن العزيز الشامخ من أدناه إلى أقصاه، إخواناً متحابين، بل جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ويقول الشاعر محمد بن عثيمين في هذا مخاطباً الملك عبد العزيز:
تلألأت بك للإسلام أنوار
كما جرت بك للإسعاد أقدار
تألفت بك أهواءٌ مفرَّقةٌ
تأجَّجت بينهم من قبلك النار
فأصبحوا بعد توفيق الإله لهم
بعد الشقا والجفا في الدين أخيار
وحقَّاً، ليس هذا ادعاءً أو تمنياً أو ضرباً من الخيال، بل هو حقيقة راسخة، أكدها كل من تشرَّف بالبحث في تاريخنا المجيد والكتابة عنه، من الأعداء قبل الأصدقاء، إذ يؤكد الجميع أن اللحمة التي تجمع الشعب السعودي كله بقيادته، لا مثيل لها في العالم. فالبيوت مفتوحة، والمكاتب مفتوحة، والمجالس مفتوحة، والآذان مفتوحة أيضاً لأي سعودي يطرق باب القيادة ناصحاً أو متظلماً أو ناشداً رأياً أو مساعدة.
ومرة أخرى هذا ليس من بنات أفكاري أو نسج خيالي، بل حقيقة راسخة كثيراً ما يؤكدها سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قائد الركب في هذا الزمن الصعب، الذي تلاطمت أمواجه، وتعقَّدت حياته، وتداخلت أموره لدرجة أصبح من الصعب على الناس التفريق فيه بين الحق والباطل، إلا في بلاد الحرمين التي قامت على أسس ثابتة راسخة صالحة لكل زمان ومكان، فدستورها كتاب الله سبحانه وتعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أجل أيها القارئ الكريم، حكاية وطن الأمن والأمان هذا، من عبد العزيز إلى سلمان، حكاية مشوقة، تطرب الآذان وتقشعر لها الأبدان لما شهدته من تضحيات جسام، وأعمال عظيمة، ومواقف قادة مدهشة، لا يقدر عليها إلا عظماء الرجال، الأبطال الأفذاذ، الذين لا هم لهم في هذه الحياة غير تطبيق مبدأ الخلافة في الأرض كما ينبغي، وخدمة الناس وتوجيههم إلى الخير دائماً.
فمنذ أن أبصرت عينا المؤسس النور عام 1876، إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى ضحى الاثنين في التاسع من نوفمبر عام 1953م، لم يهدأ له بال، أو يرتاح له جسد، أو يهنأ بملذات الحياة، حتى في أيام الطفولة والمراهقة والشباب، إذ كان قدره أنه ولد في مرحلة تعرضت فيها أسرته صاحبة الدعوة والرسالة السامية الخالدة إلى محن جسام.
وبقدر ما كان هذا تحدياً حقيقياً له، وامتحاناً عسيراً، كان أيضاً خير معين استقى منه التاريخ، وأعاد قراءة التجربة مرات عديدة.. قراءة الطبيب المداوي الذي يُعْنَى بتشخيص حالة مريضه ليصف له الدواء الناجع بإذن الله. وهكذا، حدد المؤسس مواضع الفشل والإخفاق في التجربة، واستلهم عوامل النجاح؛ فعالج الأولى وأثرى تجربة الثانية حتى كانت ملحمة عيد الرياض الخالدة، ثم ما ترتب عليها بعد ذلك من أحداث وتداعيات أثمرت لنا هذا الوطن العزيز الشامخ الذي ليس مثله في الدنيا وطن، وقد صور بولس سلامة تلك الملحمة البطولية الخالدة، ورحلة جهاد المؤسس الطويلة الشاقة في تسلسل زمني فريد كما لم يصورها أحد قبله أو بعده.