المحليات

مستقبل الأجيال مرهون بساعتين !

جدة – عبدالهادي المالكي

من عام إلى آخر، تثير اختبارات “قياس” المزيد من الحيرة والانتقاد من جانب المجتمع، بين من يرى فوائدها وبين رافضين لها جملة وتفصيلا ، وبين مطالبين بترشيد دورها في أهداف أخرى، لاتتعلق بتحديد مسارات الطلاب والطالبات ورهن مستقبلهم العلمي والوظيفي بساعتين، قد تُضيّع تعب سنين في التعليم العام ، ويضيع معها الحلم بالجامعة والكلية المرغوبة حتى لمن تفوقوا في اختبارات الوزارة بأعلى الدرجات، إضافة إلى أعباء مادية واستنزاف مالي كرسوم إجبارية لخوض الاختبارات… “البلاد” ناقشت آراء أكاديميين وأولياء أمور، وطلاب ثانوية حول هذه القضية.

في البداية، يقول الدكتور علي عثمان مليباري رئيس الجمعية السعودية للسلامة المرورية بالمنطقة الغربية، المدير التنفيذي ونائب رئيس الجمعية السعودية للهندسة المدنية: إن الاختبارات التحصيلية والقياس لها أهمية بلاشك؛ لأنها تكشف المستوى التعليمي والمعرفي للطالب المتجه للجامعة، وكذلك الطالب المتجه للبحث عن الوظيفة، فمن الطبيعي أن يكون لدى الطالب في مراحل التعليم العام تراكم معرفي ومعلومات ، وبهذا الاختبار يكون هناك قياس فعلي لها من باب الفهم وليس من باب الحفظ ، لأن بعض الطلاب يتجهون الى الحفظ وعندما يتجه الى الجامعة أو الوظيفة تجده بعيدا كل البعد عن المعلومات ، ولكن مع اختبار القدرات يعلم الطالب أنه سيحدد المستوى التعليمي وبالتالي سيأخذ هذا الاختبار كثقافة ومعرفة .

ويضيف د. علي: طالما هناك اهتمام واستعداد من الطالب والطالبة بالاختبار سيدرك وأسرته أهمية الحصول على درجات عالية ، خاصة وأن نماذج الاختبارات موجودة في الأسواق وفي المكتبات وعلى اليوتيوب ومواقع الويب، وكلها أمور تساعد الطالب على رفع المستوى ويستطيع الإجابة بما يملك من معرفة سابقة من خلال المراحل الدراسية الماضية.

لذا أنا لا اقترح إلغاء اختبارات القدرات لأنها مفيدة لكن أؤكد على توعية الطلاب بأن لايكون همهم وشغلهم الشاغل النجاح في الاختبار فقط، إنما الإثراء العلمي والمعرفي.

من جانبه، يقول الدكتور حمد البشري: من خلال خبرتي الشخصية رأيت طلابا لديهم قدرات عالية ومتميزين، ولكن لا يجد نتيجة جيدة في الاختبار التحصيلي والقدرات لظرف ما ، مما يضيع حصيلة 12 عاما قضاها في الدراسة مقابل ساعتين اختبار وهذا غير ملائم؛ لأنه جعل كثيرا من الشباب خارج أسوار الجامعة والوظيفة ، وفي هذا الوضع أرى ان لا يعمل بهذا الاختبار كشرط لدخول الجامعة فالتعليم حق للجميع ، إنما يكون في السنة التمهيدية لاختيار التخصص وبموجب الدرجة التي يأتي بها يدخل التخصص الملائم لدرجته ، كما أرى أن تكون الرسوم رمزية وليس مبالغا فيها بهذا الطريقة، فهناك اباء لديهم ابناء كثيرون وقدراتهم المادية ضعيفة ولا يستطيعون دفع هذه الرسوم. وفي النهاية أتصور أهمية أن لا تؤثر الاختبارات على مسار الطالب سواء كان المتجه للوظيفة أو المتجه للجامعة.

حول نفس القضية، تؤكد الدكتورة عاتكة ملا، أن هذه الاختبارات بمجملها لها فوائد كما لها سلبيات، فهي تفاضل بين الطلاب وطالب الوظيفة في قدراتهم ، وتنتقي الافضل منهم وتحدد لكل واحد قدراته ومهاراته ، لكن في نفس الوقت تهضم حق البعض في درجاته ومستوى ذكائه حتى وإن استخدمت المعايير والمقاييس لقياس نسبة الذكاء الزمني او العقلي. وهذه الاختبارات اعطت للبعض فرصا تعليمية وخلقت لبعضهم فرصا وظيفية يحلمون بها في الوقت الذي حرمت البعض منها وهم يستحقون لأن الحالة النفسية عند البعض تؤثر في اجابة هذه الاختبارات ، لذا اقترح إلغاءها لانها اصبحت عبئا ماديا صعبا على بعض الأهالي، كما أنها لاترفع مستوى.

من جهته، قال الدكتور أنس زارع : لنتساءل بداية عن أسباب استحداث تلك الاختبارات .. هل كان الهدف منها ترميم القصور في مناهج التعليم العام ؟ أم ترشيد الدخول إلى الجامعات ؟ أم فرز النابغين والنابهين من متوسطي الذكاء والفهم ضمن الطلاب والطالبات ؟ أم ماذا ؟

المؤكد أن وزارة التعليم عملت على دراسة مخرجات تلك الاختبارات وأجرت تحليلها لنتائج المشاركين وراقبت آليات نظام الاختبارات خلال السنوات الماضية ، وتوصلت إلى قناعات واقعية وواضحة تستنير بها في سياستها المستقبلية واتخاذ القرار الأنسب بخصوص تلك الاختبارات، ويمكن للوزارة أن تصمِّم نموذج استبيان لأخذ انطباعات الطلاب والمربِّين .. بل لعل ذلك قد تم وجرى تفحُّص معطياته .

إلغاء واقتراحات
ومع رأي آخر يطرحه مدير إدارة كلية الطب برابغ سفر بن عطيه المالكي حيث يقول: ان تحديث التعليم مطلب يتجدد في كل زمان ومكان ، لكن اختصار اثني عشرة عاما على مقاعد التعليم مع اختلاف الظروف وتحديد مستوى الطالب في اختبار يسمى قدرات وتحصيلي وقياس، هو نوع من انواع التطور الخاطئ، لذا من الأفضل أن يعود اختبار الوزارة لكل المراحل ويكون هناك أسئلة محوسبة وتكون تراكمية لكل سنة وكل مرحلة تقاس على حدة.. فإحساس الطالب في قاعات اختبارات القدرات والتحصيلي المختلف عن الفصول بالمدرسة ، حيث تسبب إرباكا بالإضافة لطريقة الاختبار والمراقبة التي توحي للطالب، أن مستقبله يتوقف على ساعتين من الزمن.. وأيضا صياغة الأسئلة لا علاقة لها بأسلوب الاختبارات طوال الدراسة لاختلاف إعداد الأسئلة في المراحل التعليمية عن مركز القياس.

هذه المعاناة تضرر منها الطلاب والمجتمع لعدم وجود فائدة ملموسة يفهم نتائجها الطالب وولي الأمر.. وربما يكون مركز القياس والتقويم عاملا مهما إذا تدخل في وضع الأسئلة في جميع المراحل ودراسة النتائج والتغذية الراجعة لتقويم ماتم تقييمه على ضوء النتائج ، أما تقييم جهود سنوات وتحديد مصير في اختبار لا يمثل الواقع فإني أرى انه لايفيد ، وليس له علاقة بالواقع وان كان في ظاهره مثاليا في أهدافه ، لافتقاد تطور الذات للطالب والمعلم وحال وسائل التعليم والمدارس.

ويضيف: حقيقة كان الجميع راضيا باختبارات الوزارة وآلية تنفيذه والواقعية في صياغة أسئلتها وطريقة أدائها التي تحقق العدالة للمجتهد ، اما مركز القياس والتقويم فلم يقدم شيئا لطالب العلم ولا طالب العمل.. وهناك انواع كثيرة من الاختبارات النفسية والذكاء والميول والتعليم.. بل الواجب أن يكون مركز القياس آلة لتغذية تطوير المناهج والأداء والمدارس وليس عقبة محبطة لطلبة العلم وطالبي العمل، وإني لأجزم أنه لو عرض الاختبار على من أعده وعلى كبار مسؤولي الوزارة لأخفق الجميع في الحصول على درجة عالية. لذا أطالب بإلغاء الاختبارات التي تحدد مستقبل ومصير الطلاب والطالبات وتوجيهها لاختبارات عامة من قبل الوزارة ، على أن يقدم مركز القياس والتقويم اختبارات واستبيانات لحل مشكلات الواقع ورفع مستوى التعليم وتجنيب أبناء الوطن العراقيل غير المبررة وغير المجدية؛ سواء الدخل المالي للمركز والذي يذهب معظمه للجان الإعداد والمراقبات والقاعات والأوراق والاقلام . لذا اقترح التالي:

– إلغاء اختبار القدرات والتحصيلي والقياس بوضعه الحالي.
– توحيد اختبارات كل مرحلة تعليمية بنفس نظام اختبارات الوزارة سابقا.
– أن تكون الاختبارات محوسبة من بنك أسئلة يتوافق مع الفئة العمرية والمرحلة التعليمية ومناهجها.
– تطوير نظام التعليم المستمر بآلية تحقق الواقعية لطالب والمعلم وضبط مستوى الأداء والتحصيل.
– أن تكون اختبارات القياس والتقويم لتطوير الطالب والمعلم والمناهج والمدارس (باختبارات واستبيانات لطالب والمعلم وولي أمر الطالب) لفهم الواقع ومعالجته.
– يتم توجيه الطلاب والطالبات وفق قدراتهم وميولهم إلى التعليم المناسب لهم واحتياج سوق العمل مع واقعية للمستقبل وليس نظريات على ورق.

وبحكم عملي وقربي من الطلاب وواقع التعليم ، لاتزال الفجوة موجودة ، وطلاب والطالبات يختارون مستقبلهم حسب رغبات الأهل والمغريات المالية للوظائف مما يستدعي تدخلا دقيقا لعلاج الواقع والمستقبل بدراسة حقيقية للمجتمع وواقعه..

أولياء الأمور يرفضون
نأتي إلى آراء أولياء الأمور، ونبدأ مع عوض بن سعيد بن سلمان الذي قال: لقد حرمت الاختبارات طلابا وطالبات كانت نسبة نجاحهم في الثانوية العامة 97 % من دخول الجامعة وذلك بسبب حصولهم على نسبة 67 % في القياس حيث رفضت الجامعة قبول أي طالب نسبته في القياس اقل من 85% وهذا بحد ذات يعتبر اجحافا في حق من كرس جهده على مدة 12 عاما من العطاء والبذل؛ من أجل ان يحصل على نسبة عالية في الثانوية ولكن في نهاية المطاف تضيع تلك السنوات سدى ولا تشفع له وفي نظري ان جميع الاختبارات سواء القدرات او قياس لا تنفع للطالب ولا تقيس مدى احقيته في دخوله الجامعه من عدمه وان المقياس الحقيقي هي نسبته في الثانوية العامه والتركيز عليها منذ دخوله للصف الأولى ثانوي ، لاسيما المبالغ الماليه والتي تدفع قبل الاختبارات واذا تاخر الطالب لاي ظرف وضع عليه غرامة مالية أعلى ، فما مصير الطلاب أبناء الاسر محدودة الدخل .

من جهتها، قالت جميلة السفياني : في رأيي أن هذه الاختبارات ليس لها أهمية للطالب الجامعي وطالب الوظيفة فالدولة تتكلف عشرات المليارات في التعليم وفي نهاية المطاف يصبح مستقبل طالب الوظيفة او الجامعة متوقفا على اختبار مدته ساعتان. فهذه الاختبارات لم تقدم للطلاب أي إضافة بل هي عبارة عن اعادة لمعلومات سابقة ومجرد مراجعة لبعض المعلومات في حينها ، لذا اقترح بأن يتم الغاؤها لسببين: أولا لأن هذا الاختبار يضيع تعب ومجهود الطلاب طوال سنين الدراسة بسبب الاعتماد عليه في افضلية الترشيح للقبول في الجامعة ، وثانيا تحول الاختبار من كونه مفاضلة وصقل معلومات واستخلاص معلومات الى استنزاف مادي للمواطنين وخاصة أصحاب ذوي الدخل المحدود. في السياق نفسه، قال حميد الجدعاني: اتمنى ان يتم الغاء هذا الاختبارات للأسباب التالية:

– لا يجوز ان يحكم على الطالب أو الطالبة باختبار واحد وفي وقت قصير جدا، وتهمش كل سنوات التعليم الماضية.
– إجحاف في حق الطلاب والطالبات بأن يتم تحديد مصير حياتهم باختبار القدرات، والذي يسبب حرمان كثير منهم من التعليم العالي ويجعلهم محدودي المعرفة عوضا عن أن يكونوا لبنة في بناء مجتمع متعلم ومثقف .
– يسبب مشكلة كبيرة وهي ازدياد في إعداد الباحثين عن العمل أي زيادة في البطالة مما يؤدي إلى زيادة في مصروفات حافز يعني أعباء مالية على الحكومة.


– اختبارات قياس أهدافها مادية ولو لم يكن كذلك لكان اختبارا واحدا يكفي لتقييم مدى كفاية المتقدم أو المتقدمة وليس أكثر من ذلك فبعض المتقدمين لا يمتلكون رسوم الاختبارات في كل إعادة.

رأي الطلاب
ونختتم باستطلاع آراء عدد من الطلاب حيث قال كل من إياد الزهراني وايمن المالكي وريان المالكي وريان الشمراني ورائد الشمراني: لقد شعرنا بالإحباط عند سماعنا لبعض من تخرجوا من الثانوية العامة قبلنا بعد أن قوبلوا بالرفض في الجامعات؛ بسبب تدني نسبة اختبارهم للقدرات وهذا يجعلنا نحجم عن الاجتهاد في الثانوي لكون أن نسبة القدرات مقدمة على الثانوي فليس من المعقول ان يقبل طالب ثانوي نسبته في الدراسة 90% والقدرات 85% ويرفض طالب نسبته 98% والقدرات 75 % فهذا يعتبر اجحافا في حقنا ، وقد يكون تدني النسبة بسبب الظروف والمشاغل حتى بالدراسة العادية التي قد تصادف فترة اختبارات التحصيلي والقدرات، بعكس الثانوي والتي يكون الطالب متفرغا لها في اغلب وقتها ويضعها نصب عينيه ، ناهيك عن صعوبة الاختبار وتعقيداته مقارنة بالوقت المحدد له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *