الطفل دائما على حق ، هل تدرون لماذا ؟ لأنه وبكل بساطة هو مخلوق نقي من الذنوب خالٍ من المعاصي ، لم يشارك الكبار ارهابهم ولم يقترف إثم ما يصنعون ،إنه كالحمل الوديع وكالصفحة البيضاء والعجينة المطواع، يتشكل وفقاً لما نغذيه من قيم وأفكار وما نختاره له من اسلوب حياة .فلماذا لا نجود في تربيته ونخلص لمستقبله ؟ لماذا لا نحميه من عبث العابثين وفوضى الجاهلين ؟ ! أليس له حقوق كفلها له الدين والقانون ؟!
لقد انتهكت كرامته حين صفعناه على وجهه ، وركلناه على مؤخرته ، وشتمناه أمام الآخرين ، لقد أهملنا احتياجاته العقلية حين انصرفنا إلى شؤوننا الخاصة فلم نرد على استفساراته.لقد صار مزاجه عصبي وتصرفاته عنيفة حين سمحنا له باللعب على الآيباد والبلاي ستيشن، لقد ارتكبنا جريمة نكراء في حقه حين انشغلنا عنه بالترهات وبالثرثرة على الجوالات وتركناه يواجه المخاطر المحدقة به دون حسيب ولا رقيب، لقد أفسدنا عليه صحته البدنية ولياقته الجسدية حين أغريناه بتناول الأطعمة الجاهزة والأكل السريع . لقد أغرقناه في مستنقع الترف وبريستيج الرفاهية فأصبح طفلاً هشاً في مخرجاته ، لا يطيق حمل الكتب المدرسية ولا الاصغاء إلى التوجيهات التربوية ، ولا حتى الاستئناس بالجلسات الحوارية مع الأهل والخلان، ولم تعد تستهويه أجمل القصص والحكايات ، فقد تكسرت الروابط العاطفية معهم، وأصبح منتهى طموحه أن يمسك بعصا التحكم (joystick ) ويقاتل أبطال لعبة الفورتنايت الالكترونية أو ينتصر على لاعبي الفيفا في مباريات افتراضية لا تغني عن رياضة الجسم ولا نشاط الذهن.
يا حسرتاه على هذه الطفولة البائسة، أتمنى من الله أن نعيد النظر في حال أطفالنا وأن نكرس لهم الوقت والجهد وكلّ المال من أجل تأمينهم بمستقبل واعد، فمن حقهم أن ينالوا الأولوية في الرعاية والاهتمام وأن يتعلموا أحسن تعليم وأن يعاملوا أفضل معاملة ، وأن يقدم لهم أكثر المواد الغذائية فائدة ، ومن حقهم أيضاً أن يسرحوا ويمرحوا في الملاعب والحدائق بعيداً عن غرف التكنولوجيا وكآبة الإدمان فيها ، ولعل من أعظم حقوقهم أن يسكنوا في وطن آمن ويترعرعوا في بيئة صحية لا تعيق نموهم ولا تحطم أحلامهم ، تمنحهم الاستقرار النفسي وتعزز ما لديهم من قيم وقدرات وتحمل للمسؤوليات .
يقول الشاعر بدوي الجبل في الطفولة :
ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها .. أفض بركات السلم شرقا و مغربا وصن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها..إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا