حاوره في الخرطوم: محمد الجهني
حين تم تحديد موعد اللقاء بفخامة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني، خلته مسؤولاً عسكرياً متجهماً، أكسبته المؤسسة العسكرية بعضا من ملامح الصرامة والشدة والحدة، فتوهمت موقفا جافا خاصة أن البرهان اضحى مسئولا عن طموح وتطلعات وهموم شعب انتفض رافضاً الغرق في اتون معيشة ضنكة لا تطاق فيما كانت مخاوف الفوضى تعج في ارجاء السودان قبل انكشاف حجم وعي الشعب.
ومنذ الوهلة الأولى للقاء، شعرت بأنني أمام سوداني يحمل هموم السودانيين ، يتسم بالأصالة والطيبة، ولم يتخل، رغم مسؤولياته العظام التي يستشعرها جيداً عن ابتسامة يمكن اعتبارها القاسم المشترك بين السودانيين.. وبادرنا فخامة الرئيس بطلب خاص احتوى ثناء خالصا لمواقف المملكة مطالبا بنقل تحيات وشكر السودانيين قيادة وشعباً، للمملكة وقيادتها ومواطنيها، وأسهب فخامته في الإشادة بدعم المملكة ووقفاتها المشهودة بجوار السودان مثلما تفعل في كافة اصقاع الأرض ، وتحدث عن انحيازها للخيار، الذي ارتضاه السودانيون. مؤكدا على أن مواقف المملكة الصادقة ومروءة قيادتها وشعبها والاهتمام الذي تحظى به كافة الشعوب الإسلامية محل الاعتزاز والتقدير على الدوام. وفتح فخامته صدره وعقله لـ “البلاد”، فكان هذا الحوار الذي يعتبر حوار المكاشفة والشفافية بامتياز.
انحياز طبيعي
• فخامة الرئيس .. بداية نهنئكم على الانتقال السلمي للسودان من الفوضى إلى الدولة، ونسألكم عن انحياز القوات المسلحة لخيار الشعب .. كيف تحقق هذا الإنجاز النموذجي وما تداعياته وأثره في حفظ الأرواح وحماية المقدرات ؟
•• انحياز القوات المسلحة لهذه الثورة شيء طبيعي، ومتوقع أن تتوحد وتتلاحم مع شعبها وتحس بآلامه ومطالبه وأشواقه للتغيير، فالقوات المسلحة مؤسسة مضطلعة بدورها وواجبها ورؤيتها منذ بداية الثورة وأثنائها وبعدها لا يخرج عما حدث ، وهي بذلك قامت بأداء مسؤوليتها الكاملة لتحقيق التغيير الذي يطلبه الشعب السوداني، وفي الوقت نفسه حمايته والخروج بالبلاد إلى بر الأمان.
وطنية واحترافية
• كان من اللافت نجاحكم في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، قبل وأثناء وبعد الانحياز للشعب .. كيف كان هذا النجاح ؟ وعلى ماذا راهنتم ؟
•• القوات المسلحة متلاحمة مع شعبها دائما، وتمثل جزءاً فاعلاً في أي حراك عبر التاريخ، وما ساعد على تماسك الجبهة الداخلية وعي الشعب السوداني وثقته في قواته المسلحة، وتماسك الأجهزة الأمنية واستشعارها المسئولية، وحرصها على استتباب الأمن. الرهان كان على وطنية منسوبي القوات المسلحة واحترافيتهم.
متفائلون بمستقبل واعد يبشر بازدهار وتطور شاملين
نعيش وضعاً اقتصاديا أفضل وانفراجاً سياسياً ملموساً
مشاركة السودان في التحالف باليمن استجابة لحماية الشرعية
رئيس المجلس السيادي متحدثا لرئيس التحرير الزميل محمد الجهني
القوات المسلحة تحس بآلام الشعب ومطالبه وتطلعاته وأشواقه للتغيير
خبرات مهنية
•كيف استطعتم أن تقودوا لُحمة القوات الأمنية بكل مكوناتها من قوات مسلحة وشرطة وأمن، دون أن تحدث أية احتكاكات بين هذه القوات ؟
•• القوات النظامية هي قوات مهنية، اكتسبت خبرات طويلة في التعامل مع كل المتغيرات والظروف.
همنا الأول
• كيف وجدتم أحوال البلد الاقتصادية والأمنية؛ خاصة أن هناك إشكالات حقيقية كانت ماثلة للعيان، أدت الى ثورة جماهيرية، وبصفة خاصة في مجال معاش الناس؟
•• الأزمة الاقتصادية كانت من أسباب قيام الثورة ، وكان إصرار النظام السابق على حل المشكلة أمنياً وإهمال الجانب السياسي والاقتصادي سبباً في تفاقم الأزمة، وكان همنا الأول في المجلس العسكري تحسين معاش الناس، في ظل غياب الحكومة لفترة طويلة وحماية كيان الدولة ووحدتها.
أسباب الاستقالة
• لماذا استقال الفريق أول ابن عوف بهذه السرعة بعد مضي يوم واحد ؟
•• القوات المسلحة مؤسسة قومية، تنحاز لرغبات الشعب، ووفقا لهذا استقال ابن عوف؛ استجابة لخيار الشعب، وخيار قيادات القوات المسلحة.
نتفاوض مع كل ألوان الطيف
• حالة الاستقرار التي شهدتها البلاد بعد الثورة، وحتى الآن خاصة وان السودان بلد بحجم قارة – ونقصد بالاستقرار هنا الاستقرار الأمني . إلى ماذا تعزو هذا الاستقرار في ظل التعقيدات الأمنية وأوضاع صعبة؛ حيث توجد حركات مسلحة وقوى سياسية لديها أجنحة عسكرية ؟
•• إن المرحلة الحالية مرحلة جديدة، والبيئة مهيأة ومنفتحة. السودان يسع الجميع والتفاوض مع كافة الوان الطيف السياسي وحركات النضال السياسي، والتي نعتبرها جزءًا من قوى إعلان الحرية والتغيير، ونعزو عدم الانفلات الأمني إلى وحدة قواته الأمنية، ووعي الشعب السوداني بمخاطر الانزلاق الأمني.
حركات النضال المسلح جزء من تحالف قوى الحرية والتغيير.. وبدأنا الخطوة الأولى
وحدة القوات الأمنية ووعي الشعب حمى السودان من مخاطر الانفلات الأمني
النظام السابق أصر على الحلول الأمنية وأهمل الجانبين الاقتصادي والسياسي
أعددنا خططا عاجلة للخروج من الأزمة الاقتصادية
العدالة تلاحق كل من يثبت تورطه من رموز النظام السابق
مناخ اقتصادي وسياسي أفضل
• الموقف الاقتصادي الآن كيف يمضي ، وما هي المعالجات المنظورة حاليا والمرتقبة ؟
•• الموقف الاقتصادي الآن أفضل حالاً، والبلاد تشهد انفراجًا سياسيًا، وسيتم تنفيذ خطط عاجلة واستراتيجية للخروج نهائيًا من الأزمة الاقتصاية، بالاضافة لمعالجة العقوبات الدولية، والتي ستحدث نقلة نوعية في الاقتصاد السوداني.
هؤلاء دعمونا
• كيف كان دور أشقائكم العرب في تقريب وجهات النظر والوصول إلى اتفاق أفضى إلى الوضع الراهن في الشروع بتكوين مؤسسات الفترة الانتقالية، وما هي المعايير التي تم بموجبها اختيار أعضاء مجلس السيادة؟
•• أولاً.. لابد لنا أن نشكر كافة أشقائنا في الدول العربية، ونخص بالشكر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وجنوب السودان، وتشاد، وأثيوبيا، وأرتيريا، وأوغندا، وكذلك أصدقاء السودان ( روسيا والصين) حكومة وشعبًا؛ لوقوفهم مع خيار الشعب السوداني ودعمهم منذ البداية.
توافق تام
• توقيع الوثيقة السياسية والدستورية فتح صفحة جديدة لفترة انتقالية تقارب الأربع سنوات. كيف يمضي تطبيق هذه الوثائق على أرض الواقع، وهل من عثرات تذكر في هذا الجانب، وكيف يمكن تلافيها؟
•• في هذه المساحة، لابد من أن نكرر شكرنا للوسطاء والدول الصديقة، التي حرصت على الوصول لاتفاق نهائي، وبحمد الله، بدأ التطبيق الفعلي لهذه الوثائق بتكوين مؤسسات لفترة انتقالية بتوافق تام مع الإخوة في إعلان الحرية والتغيير، والقوى الأخرى.
الهدف واحد
• قيادات قوى الحرية والتغيير .. واضح أنها ليست على قلب رجل واحد!!!
•• تجمع قوى الحرية والتغيير يحوي كثيرًا من التيارات السياسية، وهي تعبر عن طبيعة الانسان ، والاختلاف في الرؤي شيء طبيعي، ومن مظاهر الديمقراطية التي ينشدها الجميع، ولكن هناك هدف يجمع بين كافة هذه المكونات، وهو الحرص على النجاح.
روح الفريق
• كيف أمكن ويمكن التعامل معها للوصول إلى التطبيق الأمثل للاتفاق في محاوره المختلفة؟
•• قوى الحرية والتغيير، كما نصت الوثيقة الدستورية، اختارت ممثليها في مجلس السيادة ورئيس وعضوية مجلس وزراء الحكومة الانتقالية، وبالتالي تعمل كل هذه المؤسسات بروح الفريق الواحد؛ من أجل تحقيق شعارات الثورة.
حسب الوثيقة
• العلاقة ما بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء على المستوى الرأسي والأفقي .. كيف تبدو؟
•• كما ذكرت.. كل مؤسسات الفترة الانتقالية، حددت مهامها واختصاصاتها الوثيقة الدستورية، التي تم الاتفاق عليها.
هكذا اختير الوزراء
• هل كان لكم أي دور أو تدخل في اختيار الوزراء؟ وكيف تم اختيارهم وكيف تنظرون لمستقبل العلاقات ما بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء؟
•• اختيار الوزراء، تم بواسطة رئيس مجلس الوزراء، ثم تم اعتماد الأسماء بواسطة مجلس السيادة، بعد التشاور مع المكون العسكري في المجلس.
تبادل المصالح
• حدثنا عن تصورك لمنهج السودان في التعاطي مع الشأن الخارجي إقليميًا ودوليًا؟
•• كما هو معلوم.. دور السودان في المحيط الإقليمي والدولي، وأهميته في حفظ الأمن والسلم يؤثر ويتأثر بما يجري فيها، فسياسة السودان الخارجية تبنى على علاقات مع كل الدول في محيطه الأفريقي والعربي والدولي بما يحقق مصالحه.
فخامة الرئيس مشيداً بمواقف المملكة:
نقدر للسعودية أدوارها الأصيلة لرفع اسم السودان من قائمة رعاية الإرهاب
مرتبطون وجدانيا مع المملكة وتجمعنا وحدة المصير
لابد أن يعوض السوداني سنين صبره رفاهية واستقراراً
أزلية واستراتيجية
• كيف ترون العلاقات مع المملكة العربية السعودية ؟ وما هو تصوركم لتعزيزها حتى تصل إلى المستوى الذي ينشده البلدان والشعبان الشقيقان؟
•• العلاقات السودانية السعودية علاقات أزلية وأخوية منذ تاريخ بعيد، ارتبط بها الشعب السوداني وجدانيًا، وظلت المملكة العربية السعودية تقف مع الشعب السوداني في كل وقت، وتعتبر العلاقة استراتيجية، ويجب أن تظل بما يحقق وحدة المصير، وتبادل المصالح التي تخدم الشعبين الشقيقين.
دور إيجابي كبير
• هل من أي دعم أو إسناد تم في إطار العلاقات الثنائية بين المملكة والسودان في محور العلاقات الخارجية والاقتصادية ؟
•• لابد أن نشكر المملكة العربية السعودية لدعمها الاقتصادي، الذي ظلت تقدمه، وكذلك دورها وسعيها المتواصل مع أصدقائها، وحلفائها؛ من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، ومن هنا نجدد شكرنا وتقديرنا للدور الإيجابي الذي قامت به المملكة تجاه السودان.
السودان ودعم الشرعية
• مشاركة السودان في المحور العربي لاسترداد الشرعية في اليمن .. كيف ترون المشاركة في هذا المحور وهل ستبقى القوات هنالك حتى استكمال مهامها؟
•• قرار مشاركة القوات السودانية في اليمن؛ لإعادة الشرعية، جاء بناءً على قرار اتخذته جامعة الدول العربية، وبالتالي مشاركة السودان جاءت استجابة لحماية الشرعية.
الإرهاب والجنائية
• توجد إشكاليات مع المحيط الدولي في قضايا الإرهاب والجنائية .. ما هي خطتكم للتعامل مع هذين الملفين؟
•• بالنسبة لقضايا الارهاب، هناك تعاون مستمر مع المجتمع الدولي في محاربة هذه الظاهرة السالبة. وبالنسبة للجنائية نثق في استقلالية القضاء السوداني ومشهود له بالنزاهة والكفاءة، وبالتالي هو الذي سيقرر بشأنه.
مساءلة المتسببين
• هنالك حديث عن تجاوز قد حدث في فض اعتصام القيادة العامة .. أين تكمن الحقيقة؟
•• تم تكوين لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث 3 يوليو، وقدم النائب العام تقريرًا حول نتائج التحقيقات، التي بموجبها تمت المساءلة لعدد من القيادات النظامية، التي تسببت في هذا الخلل، وسوف يواجهون العقوبات. كما أمنت الوثيقة الدستورية تكوين لجنة مستقلة، للتحقيق حول هذه القضية.
محاكمات قانونية
• رموز النظام السابق.. كيف تمضي محاكمتهم وهل هي محاكمات سياسية أم قانونية؟
•• هنالك تهم موجهة لعدد من رموز النظام السابق، وتجري محاكمات للبعض منهم، والعدالة سوف تلاحق كل من يثبت تورطه، وهي محاكمات قانونية وأمام الأجهزة القضائية.
بدأنا المحاسبة
• ملف الفساد .. هل من رؤية واضحة للتعامل معه.. وهل تم رصد كل المتهمين فيه .. وما هو حجم المبالغ المنهوبة؟
•• من أهم الأهداف محاسبة الفاسدين، وكل من أجرم في حق الشعب السوداني، ولقد بدأ بالفعل فتح البلاغات والتحري والتحقيق.
مستقبل واعد
• كيف ترون مستقبل السودان أثناء وبعد الفترة الانتقالية؟
•• متفائلون جدًا بأن المستقبل واعد، ويبشر بازدهار، وتطور في كافة المجالات، ولابد أن يعوض المواطن السوداني على سنين صبره، برفاهية واستقرار، طالما أن الله قد أنعم على هذه البلاد بثروات وموارد بشرية وطبيعية كثيرة.
لكل مقام مقال
• فخامة الرئيس .. بعد انتهاء فترة الـ 21 شهرًا التي تتولون فيها رئاسة المجلس السيادي .. هل ستبقى في المجلس السيادي، أم في قيادة الجيش .. أم لديك خيارات أخرى؟
•• لكل مقام مقال.
(البلاد) في قلب السودان
منذ اللحظات الأولى لتشكيل الحكومة السودانية، وقبل ذلك تأسيس وتسمية أعضاء المجلس السيادي، عاشت (البلاد) الصحيفة تفاصيل الحدث لحظة بلحظة، وفي الخرطوم التقت بالقيادات التي فتحت صدرها لصحيفة عربية هي الأولى من حيث الحظوة.
في السودان يجمع الشباب على أن المستقبل أضحى زاهراً، ويشع في الأجواء أملا جديدا لحياة أفضل قائمة على التنمية المنتظرة.
وفي السودان تتجلى المواقف، فينحاز السودانيون لعروبتهم، وهناك يهتفون بفرح، ويتطلعون لمستقبل السودان بعيداً عن التحزبات، لا هم لهم سوى الارتماء في أحضان محيطهم العربي.
في السودان بزغ فجر جديد فتوافقت الآراء وانساقت خلف استراتيجية قوامها التنمية واستغلال ثروات دولة بحجم قارة ليظل أبناء السودان كما عهدناهم، أوفياء صادقين مثابرين يحفظون الود ويقفون في خندق واحد مع أبناء الأمة العربية ويتخلصون من إرث جثم كما أكدوا على صدورهم زمن طويل.
في السودان تلهج الألسن بالدعاء والتبجيل لمن وقف إلى صفهم بصدق وحب ونبل، ولهذا حملوا (البلاد) الصحيفة -في أكثر من موقع – تقديرهم وحبهم وودهم للمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً.
البلاد جاءت هنا لتحاور الجميع بدءا من رئيس المجلس السيادي ورئيس وأعضاء الحكومة وقيادات الحرية من أجل نقل الصورة الحقيقية للانتقال السلس بالسودان من الفوضى إلى الدولة إضافة إلى تطلعات أبناء السودان لشكل وهيئة المستقبل .
البرهان.. دخول القصر من «باب الانحياز»
في وقت دار لغط كثيف حول علاقة الفريق أول عوض بن عوف (رئيس المجلس العسكري لساعات) الوثيقة بالرئيس المخلوع عمر البشير، ونظامه “الإخوان”، لم تدر الشبهات مطلقاً حول الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذي نزل إلى ميدان الاعتصام، وتحدث للمتظاهرين وانحاز لمطالبهم، ما أدخله القصر الجمهوري من أوسع الأبواب.
اسم البرهان، رشح منذ البداية كرئيس للمجلس العسكري الذي يفترض أن يسلم السلطة لأصحاب الحق الأصيل (المدنيين)، غير أن المفاجأة ألجمت الجميع بظهور ابن عوف رئيساً، وسرعان ما انقلبت عليه الطاولة، وعاد البرهان رئيساً للمجلس العسكري، قبل أن يوفي بوعده ويحقق حلم الحكومة المدنية التي انتظرها الجميع لسنوات عدة، وأريقت دماء شباب للوصول إليها.
المفتش العام وقائد القوات البرية السابق، عرف بالصرامة في التعامل، ما أهله لأن يكون على رأس قيادة الجيش، ومن ثم رئيساً للمجلس السيادي لـ21 شهراً، حسب الاتفاق المبرم بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، على أن تكون الفترة الثانية (18 شهراً) بحكم مدني خالص.
البرهان الذي تخرج من الكلية الحربية السودانية، ضمن الدفعة 31 في القوات المسلحة، عمل قائداً للقوات البرية، قبل أن يقوم الرئيس المخلوع عمر البشير بترقيته من منصب فريق إلى فريق أول، وتعيينه في منصب المفتش العام للجيش، في 26 فبراير 2018، كما عمل مع قوات حرس الحدود لفترة طويلة، ثم ملحقاً عسكرياً في الصين، وقائداً لقوات حرس الحدود، فيما أشرف على القوات السودانية المشاركة في تحالف دعم الشرعية باليمن، بالتنسيق مع قوات الدعم السريع. ومنذ مولده عام 1960 في قرية قندتو بالقرب من مدينة شندي بولاية نهر النيل، لم يعرف عن البرهان الذي درس في مدرسة شندي الثانوية قبل دخوله الكلية الحربية، أي انتماء سياسي، وخدم لسنوات طويلة في جنوب السودان سابقًا، وغرب البلاد.
وبعد أدائه القسم رئيساً للمجلس السيادي في السودان، يترقب منه الثوار تحقيق مطالبهم مع بقية أعضاء المجلس ومجلس الوزراء، بتكوين المجلس التشريعي في أقرب وقت والنهوض بالبلاد من وهدتها، وتحسين الوضع المعيشي.
السودان.. أبرز محطات التغيير
اندلعت أحداث ديسمبر 2018، فكان لها ما بعدها؛ إذ شمل التغيير كل نظام الحكم، فتحول من جمهوري فيدرالي، إلى برلماني ديموقراطي، ماجعل التطورات التي أفضت إلى زوال نظام حكم الإخوان، هي الأقوى في تاريخ السودان الحديث، إذ بدأت باحتجاج على ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانتهت بتغيير شامل.
انتفاضة ديسمبر لم تكن الأولى، لكنها في نظر رئيس الوزراء الحالي عبدالله حمدوك الأقوى والأفضل، لأنها شملت التغيير المطلوب من كل النواحي، سواء نظام الحكم أو اقتلاع جدور الدولة العميقة، وليس رأسها فقط، ومعالجة مشكلة الاقتصاد بشكل جذري، مع مواصلة روح التغيير في كل مجالات الحياة، وليس في المجالين السياسي والاقتصادي فحسب.
السودان مر بمحطات تغيير عديدة أولها، نيل استقلاله من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955، تحت زعامة إسماعيل الأزهري، إذ تمت الموافقة بالإجماع على إعلان الاستقلال، الذي أصبح نافذاً في 1 يناير 1956، بعد أن أوقفت حكومة الأزهري مؤقتاً تقدم السودان نحو تقرير المصير، أملاً في تعزيز الوحدة مع مصر.
وحصل السودان على استقلاله دون اللجوء إلى أي صراع أو عنف، بل تم عقد احتفال خاص لذلك، حيث أزيلت الأعلام البريطانية والمصرية، ثم قام رئيس الوزراء السوداني إسماعيل الأزهري برفع العلم السوداني الجديد، وبذلك أصبح السودان ثالث أقدم ديمقراطية في قارة أفريقيا.
وفي أكتوبر 1964 انتفض الشعب في أول تحرك له بعد الاستقلال، عندما ثار على حكم الفريق إبراهيم عبود، كأول انتفاضة على حكم عسكري عربي، إذ انطلقت الشرارة من جامعة الخرطوم بمطلب “المعالجة الدستورية لمشكلة جنوب السودان”، فهاجمت القوات الأمنية الطلاب في حرم الجامعة، لتتواصل الأحداث حتى اقتلاع النظام الشمولي من أجل تحول ديموقراطي.
وتكرر المشهد في 1985، عندما ثار الشعب السوداني، وانتفض على حكومة المشير جعفر نميري في شهر أبريل، بعد يومين من إعلان رئيس الجمهورية لحالة الطوارئ إثر تظاهرات بشوارع الخرطوم والمدن الأخرى مثل الأبيض، ومدني، وعطبرة، احتجاجاً على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود مع تفاقم الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتكللت جهود السودانيين بالنجاح في الإطاحة بالرئيس “الديكتاتور” الذي كان وقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد إلى البلاد إلا في عهد المخلوع البشير.
انتفاضات السودان الثلاث، بينها قاسم مشترك، هو إنهاء الحرب، وعموم السلام ربوع البلاد، فالجميع يعتبر أن الحرب تستهلك موارد البلاد، فيما قال رئيس الوزراء الحالي عبدالله حمدوك: “إن إتمام عملية السلام يوفر 70 % من ميزانية الدولة لصالح المشاريع التنموية والاقتصادية”، وهو ما يترقبه الجميع الآن، في ظل شمول انتفاضة ديسمبر المطالبة بإنهاء الحرب مع الإصلاح الاقتصادي، وتحسين معاش الناس، وكبح جماح تضخم الأسعار الذي أضرم نار الأحداث في بدايتها.