الخرطوم: محمد الجهني
وأنا أراجع أوراقي في الطائرة المتجهة إلى الخرطوم، تذكرت الأحداث التي واجهها السودان والسودانيون .. ولأنني شغلت كما غيري، وتابعت المواقف .. استعدت المشهد مرة أخرى، وأنا أطالع في تجاعيد الحكمة، التي رسمها الزمن على محيا الدكتورة عائشة موسى السعيد، وهي إحدى سيدتين، اختيرتا عضوين بالمجلس السيادي في السودان، الذي يشكل أحد دعامتي الحكم في العهد الجديد، مع الحكومة الانتقالية.
الدكتورة التربوية عائشة السعيد، سياسية بامتياز، شاركت في صناعة الواقع السوداني، وهي الآن على مقعدها في المجلس السيادي، لتشارك في إنتاج وصياغة المستقبل، مفعمة بالأمل والحماس والتفاؤل بغدٍ أفضل.. حرصت خلال رحلتي القصيرة إلى العاصمة الخرطوم المنشغلة بنسج خيوط الغد، متجاوزة صفحات الأمس، على التحاور مع هذه التربوية، التي قضت فترة، وصفتها بأنها أثرى فترات حياتها في الرياض، داخل جامعة الملك سعود.. وتواصل حوارنا مع الدكتور عائشة السعيد، بين نظرتها المتفائلة لمستقبل السودان، وذكرياتها ورؤيتها للمرأة السعودية. بداية نهنئكم بالانتقال السلس للسودان من الفوضى إلى الدولة.. ودعونا نسألكم..
مع التعقيدات في عملية السلام بالسودان.. هل أنتم متفائلون بتحقيقه سريعًا ؟
– نحن غير قلقون من تعقيدات عملية السلام بالسودان ، بل أصبحنا متفائلين من تحقيق السلام سريعاً؛ لأن كل الأطراف، سواء في الحركات المسلحة والقوى المدنية أو غيرها أخذت القضية بجدية، وكونت مفوضية السلام ، ونحن الآن في حالة تفاوض ، وبإذن الله، سنقطع شوطاً كبيراً في عملية السلام.
شراكة العسكريين
الشراكة بينكم كمدنيين مع العسكريين في المجلس كيف تقيمونها؟
– نحن تجاوزنا مرحلة الشراكة هذه ، وأصبحنا جميعاً كأعضاء في مجلس السيادة همنا الأول والأوحد هو السودان، وأن نجتاز الفترة الانتقالية، ثم إجراء الانتخابات.
كيف يمكنكم الحفاظ على الديمقراطية في ظل وجود الدولة العميقة ؟
– هذا يعتمد على مدى الشفافية والصدق التي نتعامل بها مع بعضنا البعض ، ونحن نتمنى أن يكون التجاوب من أفراد الشعب السوداني بنفس هذه الروح العظيمة الفريدة في نوعها ، والتي كانت من أجل الحفاظ على الأمة السودانية، والعيش بسلام في ظل العدالة المستدامة والتطور في كافة المجالات ، وأقول لك كذلك: إننا يجب أن نترك المصطلحات السالبة التي تدعو إلى الإقصاء والتهميش في السياسة والمجتمع السوداني عامة ، وأن يشعر الجميع أنهم جزء من حكومة تعنى بهم، قامت من أجلهم ومن أجل تصحيح الحال.
الهم الأكبر
بعد توليكِ منصب عضو مجلس السيادة.. ما هو همك الأكبر؟
– همي الأول في هذه المرحلة، هو أن ينال هذا الشعب، الذي خرج للشارع، وظل به تحت وهج الشمس، ينام على الأسفلت والطرقات ويهتف بالحرية والسلام والعدالة، ثم يفقد شبابًا في عنفوانهم شهداء، وكذلك الذين فُقدوا، ولا ندري أين هم الآن، ومن هم جرحى، وفاقدو أطرافهم ، همي الأكبر هو أن نعيد لهؤلاء الناس ثقتهم في البلد، وأن كل شيء سينصلح ، ونحن لن ننسى من فقدناهم، وسنثأر بالطريقة العادلة والقانونية ممن كان سببًا في كل هذه المجازر والمآسي التي حصلت، نحن الآن جميعًا في السودان يد واحدة، وهمنا أن نأتي بمن يحاكم من قاموا بهذا العمل،
وشوه الصورة الجميلة التي قام بها شباب السودان، وكذلك سيكون همنا هو التعليم والمرأة ؛لأنك إذا قمت بتعليم الناس فإنك قد بذرت السلام فيهم، والتعليم لا يتم إلا إذا كان الناس آمنين، فإذا كان الطفل آمنا، ويأتي من بيت آمن، يتوافر به كل ضروريات الحياة، وهذا لا يتم أيضاً إلا بوجد المرأة التي تجد دائما حقوقها مستجابة ، وأن تسود العدالة في مجتمع نستطيع أن نعنى فيه بالنساء والرجال، والأطفال على وجه الخصوص.
نضال المرأة
بعد نضال طويل نالت المرأة مكانتها في الحكم بالسودان.. كيف تنظرين لهذا التطور؟
– نعم.. أؤكد لك أن المرأة السودانية قد نالت مكانتها حقيقةً ، فللمرأة السودانية مكانة مميزة منذ أمد بعيد ، فهي كانت ملكة في هذه المنطقة من أفريقيا ، ويتغنون بها “ملكة قديمة في عهد مملكة “كوش” يرمز لها بامرأة العدالة والحكمة ، ونالت المرأة السودانية حقوقها قبل المنطقة بكاملها، عندما دخلت الأستاذة الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم البرلمان بالانتخاب، فكان تحقيقاً مؤزراً لنضال النساء ولكفاحهن من أجل الحقوق، ولكن بكل أسف قد توالت علينا الحكومات التي لم تستمر في أن تعطي المرأة ما نالته بأمانة وصدق منذ ذلك الحين،
وقد فقدنا الكثير، كما أن القوانين الجديدة؛ خاصة قوانين النظام العام، جعلت المرأة تحت رحمة الجلاد، فيما تلبس وتأكل وتذهب وحتى فيما تقول ، وأصبحت لا تتحصل على حقوقها بالحرية والعفوية التي كان يجب أن تحدث في أي مجتمع عادل، كما تعرضت لقهر كبير خلال الثلاثين عاماً السابقة ، ولكن رغم هذا القمع الكبير استمرت المرأة في نضالها المستمر. الآن أنا سعيدة أنني أمثل جزءا من رائدات الحركة النسوية في السودان، فقد كانت مشاركة المرأة في هذه الأحداث تزيد عن الـ70%
أنا أحس بالمسؤولية بعد هذا النضال الطويل المستمر ، وأنا ومعي الأستاذة رجاء، وضعنا خطة في أننا يجب أن نكون على صلة مستمرة بالنساء؛ لتحقيق تطلعاتهن في التنمية
السودان إلى القمة
مسيرتك المميزة في السلك التعليمي تنبئ بتغيير قادم.. هلا حدثتينا عما تنون تطبيقه في هذا المجال؟
– أنا ما زلت معلمة، رغم أنني تطورت في التعليم، فقد بدأت من المرحلة المتوسطة إلى مرحلة تدريب المعلمين ثم المرحلة الجامعية وما فوقها. الناس الآن ينادونني بالدكتورة، ولكنني لست دكتورة، ولم أنل شهادتها، نعم.. أتت لي الفرصة عندما منحت البعثة، ولكن كنت في ذلك الوقت أركز مع تدريب المعلمين، ومن بعدها انتقلت إلى المرحلة الثانية في حياتي العملية، بالمملكة العربية السعودية، وانخرطت في التعليم في المرحلة الجامعية،
واستمررت فيه، بجانب واجبي الآخر، وهو تربية أولادي وأطلقتهم إلى العالم ، وها أنا ذا أعود، وعلى استعداد لمواصلة المسيرة، والمفاجأة التي حدثت في حياتي، أن أكون عضوة في مجلس السيادةـ، وأن أستطيع الإدلاء بدلوي في كل المجالات؛ حتى نقود السودان إلى القمة، بإذن الله . وأقول: إنه إذا كان المعلم يطور من نفسه باستمرار، ويكون على صلة بما يستجد في مجال التعليم والتربية والمجالات المجتمعية العامة، فهو لا يحتاج للشهادة الأكاديمية، ربما يحتاجها فقط؛ لأنها ستفيده في البحوث.
دور المجتمع المدني
هل تنتظرون دورًا لمنظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية بعد التغيير الشامل في البلاد ؟
– بالتأكيد هذه المنظمات لها دور كبير فيما حدث، ويحدث الآن، ونتوقع منها المزيد خلال الفترة القادمة ، فهؤلاء شباب من النساء والرجال، لا يمكن أن نغفل دورهم الكبير الذي قاموا به؛ خاصةً في مجال التدريب لإخوتهم وأخواتهم ، وفي تحسين الأوضاع في المجتمعات من حولهم .
أثرى فترات حياتي
دكتوره عائشة عملت لفترة من الزمن في جامعة الملك سعود.. حدثينا عن هذه الفترة ؟
– عملت في جامعة الملك سعود لفترة طويلة منذ العام 1991 إلى 2006 ، وكانت هذه من أثرى الفترات التي قضيتها في حياتي ، وهذه فرصة لكي أقارن بما يحدث لدينا، وما يحدث في العالم من حولنا؛ لأنها لم تكن مجرد أن أتعرف على المرأة السعودية، أو على الشباب السعودي، أو على الطالب والطالبة السعودية، بجانب معرفتي للطلاب في السودان فقط ، وإنما هيأت جامعة الملك سعود لي الفرصة لاتعرف على الزميلات من الأستاذات الجامعيات من كل أنحاء العالم في كافة التخصصات ، كما أن تخصصي في اللغة الإنجليزية أعطاني فرصة أكبر للتعرف على أشياء كثيرة . نعم كانت فترة من أثرى الفترات في حياتي، وأكسبتني أشياء كثيرة، أحمد الله عليها،
وأشكر عليها المجتمع الذي كان من حولي؛ سواء كانوا أهلا أو زميلات، والمجتمع السعودي الذي أعطاني الفرصة للمقارنة بينما يحدث في المملكة العربية السعودية، وما يحدث في السودان ، وفي مجال التدريس استطعت من خلال معرفة الإنسان وطبائع البشر خاصة المرأة، أكسبتني الكثير، وآمل من الله أن أستطيع من خلال هذه الخبرة والمعرفة خدمة بلادي. كما أنني سعيدة جدا أنني عملت في السعودية، وأنتهز هذه الفرصة لكي أشكر وأحيي المؤسسات التي عملت فيها بجامعة الملك سعود، وجامعة الأمير سلطان، وأماكن كثيرة جداً، ساهمت في العمل فيها، أثناء وجودي بالمملكة، وأزجي التحية لزميلاتي وطالباتي، وأدعوهن ليأتين إلى السودان؛ لكي يرين ما رأيناه عندهم.
وأعظم ما رأيته في السعودية، هما الحرمان الشريفان، وقد هيأت لي تلك الفرصة ولأسرتي أن أقوم بالحج والعمرة والزيارة، وأن نرى بالعين ما كنا نسمع عنه بالأذن ، وأشكر الله كثيراً على هذه النعمة التي وهبني إياها ، كما أشكر من كان سبباً في أن أكون بالمملكة العربية السعودية.
السعودية مميزة
كيف رأيتِ المملكة بشكل عام والفتاة السعودية على وجه الخصوص؟
– أنا مواكبة لما يحدث للمرأة السعودية، وأقول: إن ما رأيته فيها قد يختلف عما رآه الآخرون؛ باعتبار أنه أتيحت لي الفرصة أن أرى البنت الشابة واليافعة، وأن أرى المرأة الناضجة على مستوى عال جداً من التدريب والعلم، وحتى ما رأيته من النساء العاديات في بيوتهن، والمرأة السعودية قوية جداً ومتمكنة وواثقة من نفسها ، وهذه الثقة في النفس هي التي تسير بالمرأة السعودية قدماً الآن بإصرار وعزيمة ،
وكذلك المرأة السعودية في بيتها لها دور كبير ومميز جداً، يختلف عن أمم أخرى كثيرة قد رأيتها ، كما أننا رأينا الأمثلة في نساء سعوديات قد عملن في مناصب عالية جداً؛ سواء داخل المملكة أو خارجها ، وأنا معجبة بالقدرة الفائقة التي تتمتع بها الشابات السعوديات، والنساء المتعلمات من القدرة على الحوار والنقاش وعرض مشكلاتهن والإدلاء بوجهات نظرهن بحكمة بالغة ولغة على مستوى عال من الاتزان والرصانة ، وأنا أتمنى كل الخير لأخواتي وبناتي في السعودية، وأنا واثقة أن من سار على الدرب وصل، وقد بدأن في الدرب قوة ورصانة ، وأوصيهن بالحلم والصبر بالانتظام فيما خططن له لتطور أكبر للمرأة السعودية.