اليوم إكتب اليكم من داخل عرين الأسد .. لقد ترددت مائة مرة .. ومزقت أوراقي ألف مرة .. والسبب أن من سيقرأ مقالي هذا .. صديقي الرائد والنجم الساطع في العالم العربي لإدارة المستشفيات .. الدكتور فؤاد عزب ..
ولكن سأتوكل على الله .. وأقول الله يستر …
في إحدى السنين من القرن الماضي .. دعوت العلامة ادوارد دوبونو .. رائد التفكير الابداعي .. لالقاء محاضرة بعنوان التفكير خارج الصندوق .. وكان من ضمن الحضور مدير الخدمات الطبية في الخطوط السعودية ..
وفتح باب الاسئلة ..فتقدم زميلي مدير الخدمات الطبية بسؤال ..كيف يمكن لاي مستشفي ان يقدم نموذجا للابداع في ادارة المستشفيات .. ؟! فضحك ادوارد المحاضر وقال له: ابحث عن طريقة لتوليد الحوامل في المصاعد او في ممرات المستشفى .. وضحك هو وضحكنا معه جميعا .. وكنا نتندر علي هذه الاجابة طوال فترة حضورنا
للمؤتمر .
عزيزي القارئ .. السؤال من الاهمية بمكان .. وهو كيف نبدع في ادارة المستشفيات ولكن بمقاييس العصر .. وتقنيات القرن 21 ..
تتصف ادارة المستشفيات بأنها شديدة التعقيد ..فهناك الطاقم الطبي بجميع تخصصاته .. وجهاز الخدمات الادارية .. وخدمات الفندقة والاعاشة وجهاز الرقابة والمحافظة علي معايير الخدمات الطبية واخيرا وأولا المرضي او العملاء .. انها منظومة معقدة تتطلب مهارات ادارية واحترافية عالية التخصصات والكفاءات والكوادر الطبية المؤهلة تأهيلا عاليا.
ولنا ان نتخيل .. كيف يمكن لكل هؤلاء البشر شديدي التنوع والتخصص ان يتفاهموا ويتعاملوا مع بعضهم البعض .. بشرط تقديم ارقى الخدمات الانسانية الى مرضاهم دون اخفاق لأقل التفاصيل والا كانت النتائج كارثية ..
الا ان افاق المستقبل تنبئنا بان المستشفيات بمفهومها الحالي سيتغير الى الابد .. حيث ستقدم الخدمة من خلال مستشفيات ومبان ذكية تقتصر على الحالات المعقدة جدا .. والتي يتطلب الامر وجودها تحت رعاية خاصة ويمكنها ان تتدخل لانعاش المريض في الوقت المناسب .. وغرف هذه المستشفيات يمكن تغييرها وتحويلها وفق احتياجات كل مريض على حدة .. دون رعاية أوعناية او رقابة مكثفة من جهاز التمريض .. وهذه الابنية ستكون على درجة عالية تقنيا.. حتى يمكن تشغيلها اقتصاديا ..
اما الخدمات الطبية الاخرى فستقدم وفق مفهوم محلات البيع بالتجزئة .. بمعنى ان تكون هذه الخدمات متوفرة تحت الطلب وعند اطراف اصابعك.. وتصل الى حيث الطلب في المدينة او القرية ..وكل ذلك يتم من خلال الخدمات الذاتية .. والمسيرة .. اضافة الي الاستشارات الطبية والتشخيصية التي يمكن الحصول عليها عبر شبكات اليكترونية متخصصة لاداء هذه المهام بواسطة الخبراء والاطباء الاختصاصيين المتواجدين حول العالم. وبهذه الطريقة ستصل الرعاية والخدمات الطبية الي مناطق الكوارث والنائية والفقيرة …
اما الجانب الاخر والمهم .. هو بناء قاعدة معلومات طبية وتشخيصية ضخمة بالتزاوج مع الذكاء الاصطناعي لتغذية وبرمجة مختلف الاجهزة الطبية التي تختص بمراقبة حالة البشر الصحية عن بعد .. والفحص والتشخيص المخبري والتداخلي والسريري ووصف العلاج المطلوب بل تذهب الي ابعد من ذلك وهو اجراء العمليات الجراحية عن بعد .. بواسطة روبوتات متنقلة في اماكن مخصصة لهذا الغرض.
اذا .. على قادة المستشفيات والقطاعات الصحية تشريعا وتنظيما ان يعملوا من الان علي توظيف هذه التوجهات تدريجيا حتي يكتسبوا الخبرات الفنية والادارية استعدادا لعمليات التحول التي ستطرأ على الخدمات الطبية المبتكرة ابداعا.
واخيرا .. التحدي الكبير الذي يواجه مستقبل الطب هو التوازن الحقيقي بين اللمسة التكنولوجية ..والرحمة الانسانية التي تبث المريض الامل في الشفاء والحياة.