تحقيق – ياسر بن يوسف
المرأة السعودية في مكة، كانت وما زالت، تقوم بدور اقتصادي وثقافي كبير في مواسم الحج؛ حيث استطاعت أن تنقل لحجاج بيت الله الحرام كثيرا من العادات والتقاليد للمجتمع السعودي والقيم الإنسانية، التي يحملها الإنسان السعودي ويتمثل بها في الفكر والزي.
قديما كانت العوائل السعودية في مكة تستقبل حجاج بيت الله في بيوتهم، وكانت هناك أواصر قرابة بينهم تربطهم ببعضهم، كما كانت المرأة السعودية تصنع بنفسها الأكل للحجاج، وتحيك لهم الملابس الخاصة بالحج، وتعد العطور من دهن العود، وكذلك المسابيح وسجاد الصلاة وغيرها، الآن ومع التطور والتقدم، تقدم دور المرأة الاقتصادي وازدهر فقد أصبح للأسر المنتجة دور بارز في صناعة كل ما يحتاجه الحاج، وكل ما تحتاجه مخيمات الحجاج تحت مظلة تنظيمية من مكاتب الحج التي تطورت تبعاً لازدياد عدد الحجاج، فانتقلت العملية من بعدها من الجهود الفردية إلى جهود جماعية تتمثل في المكاتب.
ترتيبات خاصة للـ” الأضحى”
تذكر السيدة الدكتورة ناهد تركستاني، عادات أهل الحجاز في موسم الحج، وتؤكد أن بعض العادات الجميلة والمخصوصة التي كانت في السابق، وبعضها لا يزال موجوداً إلى الآن، منها؛ أنه إذا دخل الحج توقف الناس عن شراء اللحم من السوق؛ وذلك لكثرة الهدي الذي يذبح من الحجاج، فكان الناس يمسكون عن شراء اللحم من الجزَّارين؛ لأن هذه اللحوم معرضة للتلف، أو أنها تكون مريضة أو هزيلة أو متردية أو نطيحة، فلا يأكلون اللحم تلك الأيام. وشراء الوزف والسمك الناشف والروبيان المجفف، ويطبخون منه في أيام الحج على الأرز والعدس، وكان له طعم ومذاق خاص، بجانب خبز حلوى المعمول والغريبة في جميع البيوت، وتعمل كميات كبيرة، ثم يذهب بها إلى الأفران، ويرجع بها إلى البيت، ويأكل منها أهل البيت حتى انتهاء الموسم، وخروج النساء يوم عرفة إلى المسجد الحرام صائمات؛ للفطور في الحرم، وأداء صلاة المغرب والعشاء بالمسجد الحرام، وبعد الخروج يشترين الألعاب لأبنائهن وبناتهن؛ احتفاءً بالعيد.
وبالنسبة للسكن، فمعظم البيوت تكون مؤجرة للحجاج، سواء كانوا مالكيها مطوفين أم لا، واختلاط أهل البيت بالحجاج وإكرامهم بالطعام ومشاركتهم بالأغراض الأساسية للمبيت، وعند الإيجار يتم نقل جميع الأثاث لملحق فوق المنزل والمبيت فيه، أما لغير المؤجرين فأثاثهم يتغير بحاجيات بسيطة يتم الاستعداد لها قبل الزحام؛ نظراً لإقبال العيد واستقبال الجيران والأقارب، والبعض يبقي على أثاثه دون تغير، فبيوت الأثرياء يفرشونها بالبسط الإيرانية الصوفية، بل وكثير من متوسطي الحال يفرشون الحجر بها على اختلاف الجودة، والطبقة الأقل، ومن هم دون الوسط يفرشون غرفهم بحنابل من القطن مخططة بالأسود والأحمر.
تغير الزمن طمس العادات
أما السيدة نزيهة طاشكندي فقالت: «الزمن الحديث متغير كلياً لعادات زمان، فتوسّع البلاد وتباعد المناطق السكنية التي أصبحت بعيدة نسبياً عن منطقة الحرم، أدى إلى الحصول على بعض الحرية للخروج أيام العيد وقضاء ما يناسب الاحتياجات بكل سهولة، فزمن أمهاتنا وجداتنا لم يعد يفيد الآن، وخاصةً في المواسم التي تستغلها الفتيات لقضاء احتياجاتهن وشراء مستلزماتهن؛ نظراً لملاقاتهن قريباتهن والتمتع بمظهر جميل ومختلف، فالعيد يأتي بتجديد لهن، ويعتبر تجديد أثاث المنزل أمراً لابد منه كل عام، فذلك يعتبر أمراً مختلفاً عما كنت عليه وأنا في الصغر، فالتسوق كان أمراً نادراً، وخروجي من المنزل كان شيئاً غريباً، فوالدي هو من يقضي لنا حاجياتنا من السوق».
أكلات خاصة للعيد الكبير
من جانبها أوضحت السيدة مطلوبة قربان، أنه في الزمن السابق كانت الفتيات في سن الزهور متحملات لمسؤولية المنزل عن والدتهن في جميع النواحي، وكانت الأم تقضي لهن احتياجاتهن لجميع الأغراض، ومعظم المشتريات تكون للأطفال لإدخال السعادة إلى نفوسهن بالعيد، وباقترابه يتم النزول للسوق؛ لشراء جميع الحاجيات من ملبس، ولوازم الطعام والمشرب؛ لتلافي زحام الزوار لبيت الله. وفي بعض الأحيان تقوم البائعات بالذهاب إلى البيوت، وتجتمع السيدات للشراء بدلاً من الخروج إلى الأسواق. وفي العيد يغيب الرجال عن البيوت؛ لخدمة الحجيج أو الحج 3 أيام العيد، وتجتمع السيدات كل يوم في بيت أحد الجيران؛ لقضاء السهرة، وتسمى هذه الأيام «بالخُلّيف»، حيث خلو الأحياء من الرجال، وسكون السيدات في بيوتهن على سهرة بالدفوف، والمعمول والغريبة والشابورة والنُقُل «مجموعة من أنواع المكسرات مع الحمص وعين الجمل».
وأول أيام العيد يتم ذبح الأضحية، والجار يعطي جاره، بجانب طبخ أنواع من الأصناف المشهورة عند كل منطقة وبلد، كأرز الحمص والمقلقل، بجانب الشريك والفتوت، فتحرص معظم بيوت الحجاز على جلب كمية كبيرة من الشريك والفتوت خلال أيام العيد؛ ليقدم مع الجبن الأبيض والحلوى الطحينية والهريسة الحمراء واللّدو واللّبينة؛ وهي ما يطلق عليها أهل الحجاز «النواشف»، وقديماً كانوا يسمونها التعتيمة، وأيضاً بيع البليلة والترمس والفول واللوبياء وقمر الدين، أما الآن فقد شغلت المرأة السعودية مواقع مهمة في مراكز وبرامج خدمة حجاج بيت الله من الصحة والجوازات والطوافة وحملات الحج وغيرها.
هي العنصر الفاعل مع الجهود الوطنية في تسهيل سير مناسك هذا الركن الفضيل، فهناك لجان منظّمة تضم عدداً ليس هينا من الكوادر النسائية التي تعمل بممارسة مهنة الطوافة ومهنة التفتيش وغيرها بحرفية ومهنية ودقّة، وبتنسيق وتعاون مع الدولة من أجل السعي إلى موسم حجّ خالٍ من المعوقات التي قد تواجه ضيوف الرحمن.
الأماكن التاريخية أحلى
السيدة سوسو بنتن أشات إلى أن عيد الأضحى كان زمان له انطباعات جميلة، من حيث الاستعدادات ولكن مع تتنوع مهام النساء في تنفيذ برامج اجتماعية وثقافية وتوعوية واقتصادية وسياحية وإنسانية عبر مشاركة الحجاج فرحة عيد الأضحى والقيام بزيارات ميدانية وتوزيع الهدايا والمعايدات عليهم، كما يقمن بترتيب زيارات للمتاحف والأماكن التاريخية، بغرض تثقيف الحجاج بتاريخ المدن المقدسة.. كما يقمن بعمل قائدة كشافة ومرشدات مكة المكرمة بمراكز الأحياء، تمثلت في أدوار عديدة منها؛ استقبال الحجاج من المطار واصطحابهم إلى أماكن سكنهم، وإعداد السكن لهم بطابع وطقوس الحج وتقديم ماء زمزم، كما تقوم النساء بصنع الأكلات الخاصة بموسم الحج من المعمول بالتمر وحلوى الغريّبة وهي حلويات مشهورة في المملكة؛ كل ذلك ليعيش الحاج الجو الروحاني لموسم الحج ويتعرف على طابع الحياة في المملكة العربية السعودية في مواسم الحج.