رحم الله اخانا العزيز الاستاذ أحمد بابقي الذي عرفته في عام ١٣٩٨ هـ زميلا في جريدة البلاد الغراء حيث كان يعمل بقسم الاشتراكات والاعلانات بمكتبها بمكة المكرمة، كان محبا لعمله مجتهدا في أدائه بكل حب واخلاص، وكان محبا للأدب والثقافة
وجد في مدرسة البلاد مكانا ينثر على صفحاتها بعض مايكتب من خواطر ادبية وإشعار حالمة جميلة، تحت عنوان حديث العشية.
في احد الأيام من شهر رمضان المبارك من ذلك العام اتصل بي ليقول لي انه يرغب في زيارتي في الجريدة بجدة، رحبت به، وبعد صلاة التراويح فوجئنا ونحن في صالة التحرير بدخول شاب في نحو الثلاثين من عمره، يجلس على كرسي لذوي الاحتياجات الخاصة، وكنت ومجموعة من الزملاء على مكاتبنا، توقعنا جميعا ان لديه قضية يريد ان يعرضها علينا، ولكنه فاجانا بعد السلام علينا بقوله، أنا زميلكم احمد بابقي
لحظات مرت سريعة هب بعدها كل الجالسين للسلام عليه والالتفاف حوله وتسامع الزملاء الآخرون بوجوده فتسارعوا من مكاتبهم للتعرف على زميلهم من مكة المكرمة الذي كان يتواصل معهم عبر الهاتف دون ان يروه، وكانت تلك اللحظات الجميلة احتفالية بهذا الانسان الذي أعطى للجميع في تلك الأمسية، درسا بليغا في الإرادة الصلبة والاذعان لمشيئة الله
لم يقعده مرضه وعجزه الجسدي من العمل والتفكير والقراءة كما لم تعجزه حالته الصحية من الكتابة ليعبر من خلالها عن خواطره وإشعاره التي مزجها بفترات حياته فجاءت صورة مطبوعة رائعة لصاحبها نابعة من وجدان عاشق للحياة، جعل من ألمه وحزنه طاقة للخير والامل ونسمات فواحة الأريج ينعش بها قلوب الآخرين.
واستمرت علاقتي وصداقتي بالأستاذ احمد بابقي منذ ذلك التاريخ، لم تمنعه خيبات الامال ومرارة التجارب من ان يعيش حياة أسرية سعيدة بل زادته تلك التجارب قوة وصلابة ،ويشهد الله انني مالقيته يوما الا ورايته مبتسما للحياة يعارك المصاعب بعزيمة جبارة ثم يجلس مستمتعا بلذة الفوز بعد الجهاد
كان يسعده الشعور بأنه اقدر من كثيرين على المثابرة في سبيل العمل المتقن، وان العطاء اثمن من الأخذ وكان يركض في مضمار الحياة يزيح بقدمية الواهنتين الحجارة والعراقيل دون ان يلهث او يتذمر، يرى الحياة عذبه بكل منغصاتها، جميلة بكل مشكلاتها، تزينها ذكريات الامس وامال الغد وسعادة اللحظة التي يعيشها، وكان كثيرا حين اساله عن سر تفاؤله يردد ابيات من الشعر اظنها للشاعر ايليا ابوماضي.
أين مايدعي ظلاما يارفيق العمر أين
ان نور الله في القلب .. وهذا ما .. أراه
سوف احيا .. سوف احيا
نشر الاستاذ أحمد بابقي الكثير من أشعاره ومقالاته بجريدة البلاد وفِي غيرها من الصحف وكان في كل مايكتب ينداح صوته وينساب هادءا في كلمات محكمة عميقة.
يسكن الأمل والالم والحب في داخلها، مكتوبة بحرص واهتمام، لا تتلون بأصباغ فاقعة او نبرات عالية مدوية، يجمع بينها جميعا تجربة إنسانية لجيل عاش الكثير من المصاعب، وتخفي في داخلها جهدا فنيا وأدبيا وشعريا وحرارة داخلية للتجربة الخاصة ،التي لاتحول دون وصول ادق معانيها وأطيافها وألوانها لمن يقراها.
وكان معجبا بشعر الدكتور غازي القصيبي رحمه الله ومحبا لشخصة، ويرى ان القصيبي صاحب مدرسة شعرية فريدة، يقول الشعر كما يلقي الكلام في وضوح ويسر، لا يتكلف وثيق الصِّلة بالتراث العربي وشعره، رحم الله اخونا العزيز أحمد بابقي الذي غادرنا بالامس إلى رحاب ربه الكريم.