تعد الرعاية التلطيفية نهجاً تتقاطع فيه العديد من التخصصات الطبية والتمريضية، بهدف تحسين جودة الحياة، عبر تخفيف الألم ، والحد من الأعراض، والتقليل من المعاناة النفسية ، والإجهاد العقلي والبدني، في أي مرحلة من مراحل المرض، خصوصا لدى المصابين بأمراض مستعصية، أو مهددة للحياة.
وعلى الرغم من مضي خمس سنوات على قرار جمعية الصحة العالمية في عام ٢٠١٤ م ، والتي دعت فيه جميع أعضاءها إلى تطوير وتعزيز وتطبيق خدمات الرعاية التلطيفية، كجزءٍ من منظومة الرعاية الصحية الشاملة ؛ إلا أن مستوى تطبيق الرعاية التلطيفية عالميا مازال دون المستوى المأمول في كثير من الدول ، حيث تشير التقديرات إلى أن ١٤٪ فقط ممن يحتاجون الرعاية التلطيفية يحصلون عليها ، كما أن الوصول لهذه الخدمات ينعدم تماما في ٤٥ ٪ من بلدان العالم.
إن الوصول لرعاية تلطيفية ضمن الحدود المقبولة من الجودة ، يمثل تحديا متصاعدا لمختلف النظم الصحية ، كما أنه يعتبر واحداً من أولويات الصحة العامة ، خصوصا وأن ازدياد المعاناة من المرض يرتبط طرديا بارتفاع تكاليف الرعاية الصحية ، وبالتالي ارتفاع عبء الأمراض على الأفراد ، و المجتمعات، والدول ، الأمر الذي يجعل من تحسين الصحة عبر دعم الرعاية التلطيفية التي تساهم في تخفيف المعاناة والألم ، مكونًا أساسيًا للأنظمة الصحية عالية الجودة ، علاوة على تراكم البراهين العلمية التي تؤيد جدوى الاستثمار في الرعاية التلطيفية لتوليد فوائد اقتصادية وخفض تكلفة الرعاية المقدمة عبر مختلف النظم الصحية ، وفي جميع البلدان الغنية منها ، أو الفقيرة.
ووفقا لنتائج الدراسة التنبؤية ، التي نشرتها مجلة اللانست للصحة العالمية مؤخرا، فإن عدد الأشخاص الذين سيموتون وهم بحاجة للرعاية التلطيفية، سيتفاقم بين كبار السن (70 عامًافما فوق ) خلال الأربعة عقود القادمة، كما يتوقع أن يزيد عدد الذين يتوفون وهم يعانون من الألم أو الإجهاد بمقدار 22 مليون شخص في عام 2060 مقارنة بعددهم في عام 2016. وفي الوقت الذي يتوقع أن تظل الأورام الخبيثة كأكبر مسبب للمعاناة المرتبطة بالمرض في جميع مناطق العالم في عام 2060 ، فإن التقديرات تشير أيضا الى ارتفاع متسارع في عبء المعاناة المرتبطة بالخرف ، حيث من المتوقع أن تزداد الحاجة إلى الرعاية التلطيفية التي يسببها الخرف بأربعة أضعاف في عام ٢٠٦٠ م مقارنةً بعام ٢٠١٦ م.
وعلى الرغم من وجود استراتيجيات وطنية في مختلف بلدان العالم لمجابهة عبء الخرف ، إلا أن هذه الاستراتيجيات لا تشير بشكل صريح – في مجملها – لأهمية توفير الرعاية التلطيفية وتيسير الوصول لها ، مما يستدعي تكثيف الجهود لتصميم نماذج جديدة من الرعاية المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الرعاية النهارية لمرضى الخرف.
وكخلاصة، فإن العبء العالمي للمعاناة المرتبطة بالأمراض سيتضاعف تقريبًا بحلول عام ٢٠٦٠ م ، كما أن نسبة أعلى من الناس في حول العالم، سيعانون من الإجهاد النفسي والألم قبل وفاتهم ، الأمر الذي يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة من مختلف الدول والنظم الصحية ، لدمج الرعاية التلطيفية بالكامل في التغطية الصحية الشاملة ، كضرورة اقتصادية وأخلاقية ، تفاديا للأثر السلبي الذي سينجم من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية ، وتخفيفا لمعاناة ملايين المرضى وعائلاتهم.