التقيت بسيدة لطيفة المعشر حسنة الأخلاق، كانت تتكلم عن حياتها الخاصة وعن مشاريعها المستقبلية، وكيف ستكد وتتعب من أجل أبنائها، فهم أملها ومصدر سعادتها، وحين استفاضت تلك السيدة في الحديث وأطالت في الشرح والتفصيل، بدأ الحضور بالانفضاض من حولها رغم أهمية ما تطرحه من عبر ودروس.
قديماً قالوا خير الكلام ما قلّ ودل، وحديثاً نراهم يجنحون إلى التشفير والايجاز في التعبير وإلى تقنية تكديس المحتويات وتحميلها على قارئة ذواكر متناهية في الصغر.
في هذا العصر الذي يشهد ثورة في التكنولوجيا وتفجراً للمعلومات ،أصبح الانسان مشتت الذهن ، ضعيف التركيز ، فالشباب لم تعد تستهويهم روايات تولستوي ونجيب محفوظ ولا سيرة أبو زيد الهلالي ومغامرات شيرلوك هولمز ، ولم تعد تطربهم أغاني الزمن الجميل . لقد تغيرت الاهتمامات واختلفت الرغبات. يقول مطوّر علم التشفير الكسندركالاوي : أن النجاح اليومي للإنسان هو في استخدامه تقنية التشفير:
Every day you code is the day you have won) ).
إن التقدم التكنولوجي ساهم إلى حد كبير في اختصار الوقت وتخفيض التكلفة ، فحين تفتح أجهزتك الالكترونية بواسطة الرمز ( Pin code) ، فإنك توفر أقصى درجة من الحماية لملفاتك الشخصية ، وحين ترمز عنوانك البريدي ( Zip Code ) ، فأنت تسرع في خدمة توصيل طلباتك من شحنات وطرود وما شابهها، وحين ترمز السلع والمنتجات فإنك تضبط عمليات التصنيع وتمنع الهدر وتتفادى الخسائ، أما حين تكثف محتوى رسائلك إلى الحد الأدنى من الكلمات فاعلم أنك أصبت الهدف بامتياز، فالبلاغة هي في الايجاز الذي بدوره يدل على فصاحة اللسان ، ويثير العقل ويحرك الصور والأفكار ، ولعل أفضل وسيلة تواصل اجتماعية تخدم سحر الايجاز هي في التويتر ، حيث لا يزيد التغريد فيه عن 280 حرفاً ، ورغم ذلك فقد يحمل في طياته معاني أعمق وتأثيراً أكبر.
في عصر السرعة والانترنيت حيث ولى زمن الراحة والاسترخاء ، يستحسن بنا أن نواكب الحدث ، فنتقن مهارة البوح وفلترة الكلام ونتعلم فنون السرعة والانجاز ، حيث لا وقت للثرثرة والهراء ولا فرصة للتهاون وتبدل المزاج.
والله المستعان.