جدة ــ رويترز
مما لا شك فيه أن ما تقوم به طهران من تصعيد في مضيق هرمز وخليج عمان باستهداف ناقلات النفط ومحاولتها زعزعة استقرار المنطقة، ستكون عواقب وخيمة على نظام الملالي، كيف لا وطهران تراهن على تهديد التجارة العالمية وأمن العالم من مصادر الطاقة، ثم ان محالات ايران استهداف الملاحة الدولية في مضيق هرمز لم تكن الاولي، بل هي وسيلة تلجأ إليها كلما اشتد الخناق عليها نتيجة ممارستها الإرهابية وتدخلها في شؤون جيرانها ومحاولتها فرض سلطتها على المنطقة ورفضها أن تكون دولة طبيعية تتمتع بعلاقات متوازنة مع الدول كافة.
خطر يتهدد الملاحة:
باتت إيران تهدد حركة الملاحة الدولية في أهم ممر مائي في العالم، بعد اختطاف الحرس الثوري الإيراني، ناقلتي نفط بريطانيتين إحداهما تسمى “ستينا إمبيرو” لدى عبورهما مضيق هرمز، ليصبح ثامن اعتداء تتعرض له ناقلات النفط في هذه المنطقة منذ شهر مايو الماضي.
ويعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، حيث يعتبر شريانا نفطيا تمر منه 40% من إنتاج النفط الخام في العالم.
ويمر عبر هذا الممر المائي نحو خمس إنتاج العالم من النفط، أي نحو 17.4 مليون برميل يوميا، في حين بلغ الاستهلاك نحو 100 مليون برميل يوميا عام 2018، وفق شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية.
ويعبر المضيق يومياً ما بين 20 و30 ناقلة، بحمولة تتراوح بين 16.5 و17 مليون طن، بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.
وإضافة إلى النفط الخام، فإن 22% من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) تمر عبر مضيق هرمز، وإغلاقه سيشكل كارثة اقتصادية وغذائية عالمية، بالتأكيد لن تقف عند حدود الشرق الأوسط.
إيران سلكت طريق الخطر:
كشف وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، أنه يخشى أن تكون إيران سلكت “طريقا خطيرا” بعد احتجازها ناقلة ترفع علم بريطانيا في وقت طالبت الحكومة البريطانية سفنها بالابتعاد عن مضيق هرمز.
وقال ناطق باسم الحكومة البريطانية في بيان “ما زلنا نشعر بقلق عميق من تحركات إيران غير المقبولة، التي تشكل تحديا واضحا للملاحة الدولية. نصحنا السفن البريطانية بالبقاء خارج المنطقة لفترة موقتة”.
من جهته كتب هانت على تويتر “تحرك الأمس في الخليج يبعث بإشارات مقلقة بأن إيران ربما تختار طريقا خطيرا من سلوك غير قانوني ومزعزع للاستقرار بعد الاحتجاز المشروع لنفط متجه إلى سوريا في جبل طارق”.
واحتجزت البحرية البريطانية الناقلة الإيرانية “جريس 1” في جبل طارق في الرابع من يوليو بسبب تهريبها النفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وأضاف هانت “كما قلت أمس سيكون ردنا مدروسا لكن قويا. نحاول التوصل إلى طريقة لحل مسألة الناقلة “جريس 1″ لكننا سنضمن سلامة شحننا”.
سبل التصدي :
في ظل تنامي التهديد الإيراني، الذي طال أمن الملاحة البحرية والجوية بالمنطقة، بدا من الضروري أن يقف العالم في صف واحد، للخروج من مرحلة التنديد نحو بحث سبل التصدي لهذا الإرهاب، وتجسيد الاستنكار في شكل مخرجات بثقل يسمح لها بالتحول إلى مصدر ضغط على طهران، ويمهد لقرار دولي صارم بحقها.
وفي هذا الإطار، تعقد البحرين، في أكتوبر المقبل، اجتماعا دوليا، من المنتظر أن يخصص لأمن الملاحة البحرية والجوية، ويتوقع محللون أن يكون منصة لتشكيل تحالف دولي من أجل حل حاسم للتهديدات الإيرانية.
اجتماع أعلنته واشنطن، وقالت إنه سيضم 65 دولة، في مشاركة مرتقبة واسعة، تعكس حجم الحشد الدولي المنتظر ضد طهران.
الاجتماع سيكون أيضا محطة جديدة أو متابعة لمؤتمر وارسو حول الشرق المنعقد في 13 و14 فبراير الماضي، كما أعلن مسؤول بالخارجية الأمريكية في تصريحات نقلها إعلام رسمي محلي.
مضيق هرمز جغرافيا
يبلغ عرض المضيق 50 كيلومترا، وعمق المياه فيه 60 مترا، ويتألف من خطي دخول إلى الخليج العربي وخروج منه، بعرض يبلغ 10.5 كيلومتر، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا.
ويقع المضيق في منطقة الخليج العربي، فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
ويحمل المضيق اسم جزيرة هرمز التي تقع في مدخله، وكانت في القرن السادس عشر مملكة تخضع لحكم أسرة عربية من عمان، واحتلها البرتغاليون عام 1515، وفي عام 1632 طردت القوات البريطانية المشتركة البرتغاليين منها.
ويوجد في مدخل المضيق عدة جزر، منها الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، وهي طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى.
ويعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءاً من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
في 30 أبريل 1982 تم اعتماد الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وأهم ما في هذه الاتفاقية هي المادة 38، والتي تقول تتمتع جميع السفن العابرة للمضائق الدولية -بما فيها مضيق هرمز- بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن ناقلات تجارية أم عسكرية.
أطماع إيرانية:
تحاول إيران منذ ستينيات القرن الماضي الهيمنة والسيطرة على المضيق، حيث حاولت في مؤتمر قانون البحار (جنيف 1958-1960) خلال المؤتمر الأول والثاني لانعقادهما لوضع قانون البحار، واللذين عُقدا تحت راية الأمم المتحدة، المطالبة بحقها في الإشراف على مضيق هرمز، إلا أن طلبها رُفض من قِبل جميع المشاركين.
وفي مؤتمر قانون البحار 1980 طالبت إيران مجددا بحقها في الإشراف على مضيق هرمز، إلا أن طلبها رُفض كليا وللمرة الثالثة، حتى جاء القانون الدولي لحماية المضائق البحرية في أبريل 1982، ليضع حدا للأطماع الإيرانية في المضيق.
إجراءات أمريكية :
بالتزامن مع تزايد التهديدات الإيرانية في مياه الخليج، أرسلت الولايات المتحدة في شهر مايو الماضي، حاملة الطائرات أبراهام لينكولن، وقاذفات بي-52 إلى المنطقة، كما عملت على نشر جديد لصواريخ باتريوت في الشرق الأوسط.
وجاء قرار وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بالموافقة على نشر الصواريخ بعد تحذيرات البيت الأبيض للملاحة البحرية من احتمال استهداف إيران أو وكلائها السفن التجارية الأمريكية، بما فيها ناقلات النفط، أثناء إبحارها عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط.
وطالبت الإدارة الأمريكية الملاحة البحرية السفن التي ترفع العلم الأمريكي بالتواصل مع الأسطول الخامس، الذي يتولى حماية السفن التجارية في المنطقة، قبل يومين على الأقل من الإبحار عبر مضيق هرمز.
كما أعلنت واشنطن مؤخرا عن مبادرة أمنية جديدة تهدف لحماية حرية الملاحة في مياه الخليج العربي بمشاركة دولية واسعة.
وقالت كاثرين ويلبارجر مسؤولة بوزارة الدفاع الأمريكية إن واشنطن تهدف بمبادرتها الأمنية الجديدة في الخليج لردع أي هجمات على السفن التجارية.
وأضافت ويلبارجر، التي تعد واحدة من كبار مسؤولي البنتاجون، إن “هدف المبادرة هو توسيع مجال الوعي البحري وإمكانات المراقبة بالمنطقة لإحباط أي عمل خبيث”.
وكان الجنرال مارك مايلي رئيس أركان الجيش الأمريكي قال، في وقت سابق، إن الولايات المتحدة تناقش مع حلفائها خططا لتأمين ومواكبة ناقلات النفط في الخليج العربي، وذلك بعد محاولة إيرانية فاشلة لاعتراض ناقلة بريطانية.
اجتماع المنامة :
ومن ضمن الجهود العربية والدولية لتأمين المياه في الخليج، أعلنت وزارة الخارجية البحرينية، استعداد المنامة لاستضافة اجتماع يعنى بأمن الملاحة في الخليج، وقالت: إن “الاجتماع فرصة لبحث سبل ردع الخطر الإيراني وضمان أمن الملاحة”.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك، إن 65 دولة ستبحث في البحرين أمن الخليج البحري.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، قال الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة أعدت خطة سيتولى بموجبها تحالف عسكري دولي حماية المياه الاستراتيجية قبالة إيران واليمن، حيث تنحي واشنطن باللوم على إيران ومليشيات تدعمها في تنفيذ هجمات.
وقال دانفورد “نتواصل الآن مع عدد من الدول لتحديد إذا كان بإمكاننا تشكيل تحالف يضمن حرية الملاحة في كل من مضيق هرمز ومضيق باب المندب”.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، قد أعلنت أن مسؤولين أمريكيين ومن دول أخرى سيجتمعون الجمعة المقبلة لمناقشة أمن الملاحة البحرية في الخليج.
وقالت الوزارة، في بيان، أن الاجتماع سيبحث مبادرة الأمن البحري، والتي ستركز على حماية حرية الملاحة والأمن البحري في الشرق الأوسط، وأشارت إلى أن تحقيق ذلك يتطلب بذل جهد متعدد الجنسيات لمواجهة هذا التحدي العالمي وضمان المرور الآمن للسفن.
وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب تزايد التهديدات الإيرانية للملاحة وحركة السفن في مضيق هرمز ومنطقة الخليج العربي.
خطوات حاسمة:
يشكل اجتماع البحرين إحدى الخطوات الحاسمة التي دعا إليها الخبراء الاستراتيجيون للتصدي لمحاولات إيران صب مزيد من الزيت على نار الأزمة المستعرة، عبر استفزازاتها المتتالية، محذرين من أن الأمر لا يتعلق بأمن الشرق الأوسط لوحده، وإنما يمكن أن يصل إلى إحداث اضطراب اقتصادي عالمي.
فالهجمات التي تشنها طهران ليست في النهاية سوى محاولات يائسة منها أملا بتخفيف ضغوط واشنطن عليها، وهذا ما يجعل مقاربتها مبنية على أساس تعطيل الملاحة البحرية في مضيق هرمز، سعيا نحو خفض إمدادات النفط بنسبة 20% على الأقل، وهذا ما تأمل طهران من خلاله بتحسين شروط التفاوض مع واشنطن.
طرح تدعمه اعترافات للرئيس الإيراني حسن روحاني، قبل أشهر، حين قال إن بلاده تمتلك القوة الكافية للإضرار بتجارة النفط، في تهديدات ضمنية بإغلاق الملاحة البحرية أو تعطيلها في مضيق هرمز.
فالاجتماع وحجم المشاركة المعلنة فيه يدلان أيضا على أن التعامل الأمريكي مع التصعيد الإيراني خرج من حيز التحذيرات والتهديدات كما كان عليه الأمر الأعوام 2011 و2012 و2016، ليدخل حيز النقاشات الباحثة عن خارطة تصدٍ فعلية للخطر الإيراني، والسفن الحربية الأمريكية التي تصل تباعا إلى المنطقة خير دليل على ذلك
عملية الحارس :
أعلنت القيادة الأميركية الوسطى للجيش الأميركي في بيان، أنها تقوم بتطوير مجهود بحري متعدد الجنسيات، في إطار عملية أطلقت عليها اسم “الحارس” لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسية في الشرق الأوسط لضمان حرية الملاحة في ضوء الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج العربي.
وأوضحت القيادة الوسطى المعروفة بـ”سنتكوم”، المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط، أن الهدف من “عملية الحارس” هو تعزيز الاستقرار البحري، وضمان المرور الآمن، وخفض التوترات في المياه الدولية في جميع أنحاء الخليج العربي ومضيق هرمز ومضيق باب المندب وخليج عمان.
وأكد البيان العسكري التزام الولايات المتحدة بدعم هذه المبادرة مشيرا إلى أن “المساهمات والقيادة من الشركاء الإقليميين والدوليين ستكون مطلوبة للنجاح”.
وشدد على أن المسؤولين الأميركيين سيواصلون التنسيق مع الحلفاء والشركاء في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط بشأن التفاصيل والقدرات اللازمة لـ “عملية الحارس”، لتمكين حرية الملاحة في المنطقة وحماية ممرات الشحن الحيوية.