كان ينتظر كل صباح صوت الموسيقي الذي ينبعث من محل الورود الذي يسكن بجواره، كان خصرها يتمايل فى بطء لا تفارقه الحيوية علي صوت أم كلثوم وهي تردد هو صحيح الهوى غلاب، وتحضر قهوتها الصباحيه وتسكبها علي مهل في إناء نحاسي صغير، تذهب لتطل علي زهورها التي تعتني بها بلمساتها اللطيفة والخفيفة،
تضع القهوة علي الطاوله وتجلس مسترخيه، يقرر أن يستجمع قواه ويذهب إليها ليس لشراء الورود مثلما يفعل كل يوم ولكن ليخبرها عن ذلك الحب الذي يسكن كل جوارحه، يقف أمام المرآه ويردد سأخبرها اليوم، بخطوات مرتعشة وقف أمامها، تلعثمت حروفه ولم ينطقْ بحرفٍ، ابتسمت كعادتها وقالت له، الوردة البيضاء مثل كل يوم؟
أجاب بصوت متلعثم نعم، أحضرت له الوردة البيضاء وغادر دون أن يخبرها عن شيء، وقفت خلف الشرفه الزجاجيه تتأمله وتضع يدها علي شالها ممسكة به بقوة، وكان هو شديد الغضب لأنه تردد في إخبارها، مر اليوم سريعاً وعادت إلي بيتها، وقفت أمام مرآتها خلعت شالها ببطء، دمعت عيناها وهي تمرر يدها علي نصف وجهها المشوه، لم تغب تفاصيل الحادث عن مخيلتها ولو لحظه طوال تلك السنوات، منذ خمسه أعوام كانت متزوجه من رجل شديد القسوة، كان يضربها ضرباً مبرحاً،
ولم يكن لها أحد لتلجأ إليه، فكل من حولها كان يطالبها بالصبر ولم يشعر بها أحد، طلبت منه الطلاق مراراً وتكراراً ولكنه كان يرفض في كل مرة، فهربت وقررت أن ترفع عليه قضية لطلب الطلاق، فما كان منه ألا أن شوّه وجهها الجميل أنتقاماً منها، تحولت حياتها حينها، فقدت قدرتها علي تأمل وجهها في المرآه ومواجهة الحياه، فكانت تخفي وجهها عن الجميع وتعيش في عزلتها كل مساء،
لكنها لم تفقد قدرتها علي العطاء بل كانت كالورود التي تبيعها تنثر السعادة علي كل من حولها رغم روحها المنطفئه، لم يعيد الحياه لروحها سواه، كانت كلما رآته أَشْرَقَ وَجْهُها وملامحها، ظل كل منهما مستيقظا في فراشه حتى الصباح، ذهبت لمحل الورود فوجدته ينتظرها أمام الباب وقف أمامها وهو يتمالك قواه، قال لها أنا أريد أن أتزوجك الآن، وقفت أمامه خجلة مرتبكة،
بهدوء أظهرت الجرح الذي أصاب وجهها دون أن تنطق بكلمة واحدة، نظر إليها في دهشة، ساد الصمت بينهم لدقائق ثم أمسك بيديها وهو يقول، لو تعلمين أنني كل يوم لم أنتظر الشمس حتى تشرق بل أنتظرتك حتى تشرقي، أبتسمت أبتسامة كبيرة وهي تقول طول حياتي لمْ اختر ولمْ أقرِّر لكنَّني أقرِّر الآن أنَّني اختار الحياة.