طرابلس ــ وكالات
لم تكن تركيا بعيدة عن المشهد الليبي، منذ بدء الأزمة في عام 2014، ولم يعد خافياً على أحد، أن أنقرة تدخلت ولا تزال في الشأن الداخلي الليبي سياسياً وعسكرياً.
آخر أوجه هذا التدخل جاء على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار الذي هدد الجيش الوطني الليبي بالرد على أي هجوم يستهدف ما وصفها بمصالح بلاده على الأراضي الليبية ما يشكل خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي، قد اعلن بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، المستشار عقيلة صالح، حالة التعبئة والنفير العام على كل التراب الليبي، ردا على التهديدات التركية بالعدوان على بلاده.
وتعيد تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي مراراً التذكير بالدور التركي في زعزعة استقرار ليبيا، عبر تسليح الميليشيات أو احتضان مطلوبين.
وتأوي تركيا أهم رؤوس الإرهاب في ليبيا، وأبرز المطلوبين من قبل القضاء والمجتمع الدولي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي، كما تأوي عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار مشبوهة في قيادة الفوضى بليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي. ووصف مراقبون التهديد التركي الأخير بالخرق الواضح للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي، كما أنه يعتبر اعترافا واضحا من أنقرة بالتدخل في الشؤون الليبية.
فمنذ بدء الجيش الوطني لعمليته العسكرية ضد الميلشيات، أعلنت القوات المسلحة الليبية أكثر من مرة عن ضبط أسلحة تركية في يد الميليشيات التي تقاتل ضدها. كما أن الدعم التركي لهذه الميليشيات لم يتوقف عبر إرسال الشحنات العسكرية إليها لصد تقدم الجيش في جنوب طرابلس.
وكان الجيش الليبي قد أعلنت امس الأول إسقاط طائرة بدون طيارة تركية الصنع بمطار معيتيقة شرق طرابلس.
وقال اللواء أحمد السماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، إن مقاتلات سلاح الجو الليبي قصفت ودمرت طائرة تركية مسيرة بمطار معيتيقة شرق طرابلس. وكان اللواء محمد المنفور، قائد سلاح الجو، قال لوسائل إعلام محلية إن الطائرة التركية المسيرة تم تدميرها قبل إطلاقها من الجزء العسكري من مطار معيتيقة، لتنفيذ غارات على مواقع الجيش الليبي.
والطائرة التركية هي الرابعة خلال شهر واحد التي تستخدمها المليشيات في الاعتداء على القوات المسلحة، ويسقطها الجيش منذ بدء عملية طوفان الكرامة.
هذا فيما أمرت القيادة العامة للجيش الليبي، بحظر رحلات الطيران من المطارات الليبية نحو تركيا، واستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري” وجود تدخل تركي قطري لصالح الميليشيات في طرابلس”، مشيرا إلى “دعم تركي مباشر في معركة طرابلس من البحر والجو والبر”، موضحا في هذا الجانب أن “تركيا وفرت غطاء جويا بطائرات مسيرة خلال اقتحام الميليشيات مدينة غريان”.
وأضاف المسماري أن الأهداف التركية في ليبيا “ستعتبر أهدافا معادية وسيتم التعامل معها”، مشيرا إلى أن قوات الجيش الليبي “ستستهدف أي نقطة على الأرض تتعامل مع تركيا، وستسقط مشروع تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا”.
ويبدو أن هذا التقدم وإعلان الناطق باسم الجيش الوطني، باستهداف أي هدف تركي في ليبيا، أثار قلق الأتراك من خسارة الميليشيات التابعة لها.
فالدعم العسكري التركي للميليشيات في طرابلس يعتبر خرقا لقرارات مجلس الأمن، والذي يحظر توريد السلاح إلى ليبيا منذ عام 2011.
وتسعى تركيا عبر إرسال السلاح إلى ليبيا إلى الحفاظ على وجودها وإطالة أمد الأزمة في هذا البلد، لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية.
لكن التصريحات الأخيرة التركية عبر التهديد بالحفاظ على مصالحها على الأراضي الليبية، تثير التساؤلات عن كيفية قيام أنقرة بذلك في ظل تقدم الجيش في طرابلس، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية، والتعدي أيضا على سيادة دولة أخرى.
وتساند تركيا مليشيات حكومة الوفاق بطرابلس، في محاولة لصد تقدم الجيش الليبي منذ إطلاقه عملية طوفان الكرامة لتحرير العاصمة من المليشيات.
ونفذت المليشيات التابعة لحكومة السراج غير الدستورية في غريان عمليات إعدام جماعية بأوامر من رئيس ما يسمى بحكومة الوفاق فايز السراج، حسب تصريحات الناطق باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري.
في غضون ذلك اعتبر سياسيون ليبيون أن صمت المبعوث الأممي إلى ليبيا حيال جرائم المليشيات ضد أفراد الجيش الليبي في غريان يزيد الشكوك حول انحيازه للإرهابيين، واصفين موقف غسان سلامه بأنه “انحياز كامل لصالح المليشيات”.
وطالبوا الأمم المتحدة بإدانة التدخلات التركية في الشأن الليبي مع ضرورة ملاحقة الخرق المستمر والعلني لتوريد الأسلحة من جانب نظام رجب أردوغان لتلك المليشيات.
وقال عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي: “في كل مرة يثبت المبعوثون الدوليون إلى ليبيا أنهم يكيلون بمكيالين حينما يتعلق الأمر في التعامل مع المليشيات والقوى المتأسلمة، ومدى فظاعة جرائمهم مقابل القوى الوطنية التي تبحث عن حل جذري لمشاكل البلاد”.