أنقرة ــ وكالات
أعاد الفوز الكبير، الذي حققه مرشح المعارضة التركية لرئاسة بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في اقتراع الإعادة الذي جرى الأحد الماضي، وتمكنه من إلحاق هزيمة مدوية بمرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدريم، فتح النقاش حول النظام الرئاسي، الذي دخل حيز التنفيذ عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يونيو 2018، عقب إقراره في استفتاء على التعديل الدستوري الذي أجرى في 17 أبريل 2017.
وأتم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عامه الأول في 24 يونيو الجاري، كرئيس للبلاد بعد تحويل نظام الحكم في الجمهورية التركية من برلماني إلى رئاسي عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في الرابع والعشرين من يونيو 2018، في خطوة اعتبرها كثيرون استنساخاً لتجربة الملالي في إيران، الذين كرسوا جميع السلطات والصلاحيات في يد المرشد الأعلى،
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة ميتروبول للأبحاث، ارتفاع نسبة الأتراك الرافضين للنظام الرئاسي الذي منح للرئيس، رجب طيب أردوغان صلاحيات وسلطات غير مسبوقة.
وبحسب الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه يومي 14، و15 يونيو الجاري، فإنه إذا أعيد استفتاء التعديلات الدستورية الذي أجرى في 17 أبريل 2017، وتم بموجبه إقرار النظام الرئاسي، فإن 58.6% من المواطنين الأتراك سيختارون النظام البرلماني.
وطرح الاستطلاع على المشاركين فيه سؤالًا مفاده “إذا أُعيد اليوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فهل النظام الرئاسي أم البرلماني ستختارون؟”
إذ قال 58.6وز% من المشاركين: إنهم سيختارون النظام البرلماني، فيما اختار 39.4% النظام الرئاسي، فيما قال 2%: إنه ليست لديهم إجابة أو ليست لديهم فكرة.
وطرح الاستطلاع سؤالا آخر، وهو “في رأيكم ما مدى فائدة النظام الرئاسي لتركيا؟”، وردًا على هذا السؤال قال 11.6% فقط من المشاركين في الاستطلاع: إنه “كان مفيدًا للغاية”، مقابل 29.2% قالوا: إنه “مفيد”، و23.1% قالوا: إنه “لم يكن مفيدًا”، و27.6% قالوا: إنه “لم يكن مفيدًا على الإطلاق”، فيما بلغت نسبة من لم يردوا أو لم تكن لديهم فكرة 8.5% من المشاركين في الاستطلاع.
وسلطت العديد من وسائل الإعلام التركية، الضوء على ما تحقق وما لم يتحقق من الوعود التي قطعها أردوغان على نفسه، وأكد للناخبين الأتراك آنذاك أنه قادر على تحقيقها في ظل نظام رئاسي قوي، وهو بصدد مداعبة أحلامهم حينئذ لاختياره رئيسا بصلاحيات وسلطات مطلقة، ما دفع البعض لوصف هذا النظام بـ”نظام الرجل الواحد” الذي يمسك في يديه مقاليد كل شيء.
ولفتت العديد من الصحف إلى أن معظم الوعود التي قطعها أردوغان على نفسه، ومنى بها الأتراك لم تتحقق، ما أدى إلى تراجع تأييد الأتراك للنظام الرئاسي كنتيجة منطقية لفشل الرئيس في تحقيق تلك الوعود، وأبرزها القضاء على البطالة، وتقوية الاقتصاد ورفع الاستثمار، إضافة إلى تنامي الغضب من زيادة القمع.
وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري، زعيم المعارضة التركية، كمال قليجدار أوغلو، قد وجه الأربعاء الماضي دعوة صريحة إلى الأحزاب السياسية في البلاد للعمل معاً من أجل إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني.
وقال قليجدار أوغلو مخاطبًا الأحزاب السياسية: “علينا العمل معًا لإلغاء نظام الرجل الواحد، الذي يكفل للرئيس الاستئثار بكافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كي نؤسس نظامًا ديمقراطيًا قويًا”.
في غضون ذلك، باشر مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، الفائز في انتخابات الإعادة برئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، مهام منصبه، رسميًا، بمضايقات مبكرة من أردوغان.
ورغم أن هذه المضايقات كانت متوقعة، غير أنها جاءت سريعة، وكأن أردوغان يتعجل الانتقام من خصمه الذي لقنه درسا قاسيا، لا سيما بعد جولة الإعادة التي تحولت إلى نوع من التحدي، مُني خلالها مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، بن علي يلدرم، بخسارة عمقت جراح الخسارة الأولى، إذ قفز الفارق بينهما من نحو 13 ألف صوت إلى أكثر من 800 ألف صوت.
وتجمع حشد ضخم أمام مبنى بلدية اسطنبول، أمس الأول لحضور حفل تسلم مهام رئيسها الجديد إمام أوغلو، الذي أدى فوزه إلى تعزيز صفوف المعارضة للمرة الأولى منذ سنوات
وقال إمام أوغلو أمام ساحة البلدية، التي غطتها الأعلام التركية في المركز التاريخي للمدينة: اليوم هو احتفال بالديمقراطية، احتفال بإسطنبول، مشيرًا إلى أن سكان إسطنبول أعطوا درسا لحفنة من الناس الذين أرادوا إلحاق الأذى بالديمقراطية.
لكن هذا الحشد الضخم، وهذه المناسبة الباذخة التي تنطوي على دلالات ذات بعد وطني بالنسبة لتركيا، لم تحظَ باهتمام وسائل الإعلام التركية التي باتت مسخرة لحركات أردوغان وسكناته وتنقلاته وخطاباته الحماسية، وهو ما يمثل انقلابًا لدور الإعلام الذي يفترض أن يقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، وفقًا لخبراء.
ولاحظت وكالة الصحافة الفرنسية، أن قنوات التلفزيون التركية الرئيسة لم تنقل خطاب إمام أوغلو، وكأن، هذا الأخير، الذي سيرأس أهم بلدية في البلاد، على الإطلاق، قد هبط من كوكب آخر، حسب بعض الخبراء.
ورأى الخبراء، أن تجاهل الإعلام النسبي لتغطية حدث تسلم أوغلو مهامه، يؤشر إلى أن مهمته شاقة، وقد يصطدم بالكثير من العقبات الإعلامية والسياسية والبيروقراطية، خاصة وأن أردوغان قد استحوذ على مختلف السلطات عندما حول النظام البرلماني التنفيذي في البلاد إلى النظام الرئاسي، الواسع الصلاحيات، وهو ما يتيح له التضييق على منافسيه في مختلف المواقع، ومن بينها البلديات.
وتتناقض هذه التغطية الإعلامية الخجولة للحدث مع ما قاله أردوغان نفسه، الأربعاء الماضي، عندما خاطب أعضاء حزبه بأنه ليس لدينا ترف أن ندير أذنا صماء للرسالة التي بعث بها شعبنا، في إشارة إلى أن أهل إسطنبول اختاروا مرشح المعارضة، بيد أن وقائع اليوم الأول لاستلام بلدية المدنية كشفت أن أردوغان وإعلامه أدارا أذنًا صماء للفائز، وأبعدا العدسات عن حدث يستحق الاحتفاء.
وكان أردوغان اتبع تكتيكات إعلامية للتقليل من قيمة خصمه وتشويه سمعة المعارضة، مستغلًا هيمنة المقربين منه على شبكات التلفزيون والصحف، موجهًا لها أوامر بالاكتفاء باستخدام صفة مرشح حزب الشعب الجمهوري، وضرورة إغفال الاسم الصريح لأكرم إمام أوغلو، كي لا يحفر في أذهان الناس، بحسب مراقبين.