دخل عمر بن عبد العزيز المسجد في ليلة مظلمة فمر برجل نائم فعثر به، رفع الرجل رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فرد عمر: لا، وعندما همّ الحرس به كفهم عمر وقال: إنما سألني: أمجنون؟ فقلت: لا.
لم يردّ عمر على الرجل بل أنت المجنون.
أنت ماتعرف بتكلم مين؟ لم يقف عمر بتعالي محتقراَ فعل الرجل وأمر حرسه بتأديبه على جرأته وبذاءة لسانه.
لقد تعامل أمير المؤمنين مع الأمر بيسر لأن الموضوع ببساطة «على هونك»
طالما أن الأمر لا يستحق، ولن تحصل من الخوض فيه على فائدة ولن يكون هناك مشكلة إذن «هون عليك» وبمعنى أعم وأشمل ترفع عن سفاسف الأمور وصغائرها، لا تجعلها كبيرة عليك، ضخمة تثقل كاهليك.
كم من حروب كبيرة وقعت بين دول وطحنت كثيرين بسبب عبارة أدت إلى عناد القادة كل يرى أنه الأصح وأن رأيه الأفضل. وتناسوا أن إهدار أرواح الناس عند الله اكبر .
وكم سمعنا عن مقتول كان السبب في قتله اختلاف وجهة نظره مع القاتل.
وكم شهدنا مقاطعة رحم دامت سنوات بسبب كلمة ألقيت لم يلقى القائل لها بال.
وكم من بيوت تهدمت وسقط أبنائها في هاوية الضياع لأن أحد الزوجين لم يتغاضى لم يتغافل عن كلمة أو فعلة صدرت من الطرف الآخر.
وكم تألمنا من إعراض صديق عن صديقه وقطع علاقته به فقط لأنه لم يأخذ بمشورته أو لم يستمع لنصيحته.
إن تنازلَ أحدنا عن موقفِه لمصلحة أكبر ليس دليل ضعف ولا مهانة نفس فالقوي هو الذي يمسك زمام أمره ويتحكم فيها.
و المنتقم يظن دائماَ أن انتصاره لنفسه إكرام لها وزيادة في عزها ولكن الواقع المشهود في عالم البشر يناقض هذا الفكر المعهود.
إن التوافه من البشر أو من الأفعال و الأقوال موجودة حولنا نحتك فيها ونتعامل معها.
ولو شغلنا أنفسنا بها فإنها تنغص علينا حياتنا.
مثل الذبابة التي تحوم حولنا حتماً تضايق. ولكن الشعور بها يختلف من شخص لآخر فهناك من يحقرها ولا يكاد يراها، وهناك من يضيع وقته في التفكير بالقضاء عليها. بكيفية الإمساك بها وتعذيبها والانتقام منها لأنها نغصت عليه جلسته.
«أعقل الناس أعذرهم للناس»
صاحب العقل الرشيد هو الذي يتوقف عن الانسياق وراء الصغائر ويحرص على ابقائها كما هي ولا يعمل على تكبير حجمها.
يعامل الناس ببساطة وعدم تكلف ولا يتوقف عند كل كلمة أو موقف بمشرط جراح يشرح بقوة ودقة ليصل إلى العمق ويعتقد أنه بذلك أصبح الخبير الفاهم في كل شيء.
خلاصة القول يا جماعة.. إن التغاضي والأعراض عن التفاهات ومستصغر الفعل والكلام. منهجٌ سلوكيٌّ ، وأسلوبٌ حياة، يساعد الإنسان أن يعيش في سلام تام.
f_alzahraaa@hotmail.com
تويتر f_alzahraaa@