تحتفل البشرية يوم 20 يوليو 2019 بمرور 50 عاما على هبوط أول إنسان على سطح القمر، وعاد إلى الأرض بسلام. هذا الإنجاز – كما تقول إحدى النشرات العلمية – تطلب 400000 إنسان و20000 شركة، عملوا جميعا على تحقيق الهدف الذي وضعه الرئيس الأمريكي آنذاك جون كيندي. حيث لم تكن الرؤية واضحة لكيفية تحقيق الهدف، ولم تكن هناك خطة واضحة المعالم لتحقيق المهمة شبه المستحيلة بمقاييس ذلك العصر.
هذا الإنجاز العظيم ألقى بظلاله وبقوة عل كل تقدم وتطور تحرزه البشرية أو تعيشه اليوم، سواءً كان صناعيا، تجاريا، سياسيا، اجتماعيا، أو تكنولوجيا في السلم والحرب.
لقد كانت طفرة العصر في تلك الحقبة الزمنية، ونحن نجني ثمارها اليوم، وإلى حين أن تأخذنا طفرة علمية أخرى ربما تفضح سرا من أسرار الكون الذي نعيش فيه.
السفر عبر الفضاء لاكتشاف الكواكب الأخرآ، كان ولا يزال حلما يراود البشرية. وكان الهدف من هذا السباق هو وضع اسس لبنية تحتية على سطح القمر كي يعيش الإنسان هناك في أمن وأمان وسلام ورخاء اقتصادي(جاذبيته الصفر)، لقد كان سباقا بين القوتين الجبارتين، هما ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين .. نرى الآن سباقا آخر محموما بين الدول، أسميه «جيو بوليتكس». فهذه الصين والهند واليابان تدخل السباق وفق أهداف وخطط وأطماع وتجارب علمية مختلفة. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فاجأ العالم بإعلانه عن إنشاء قوة خاصة أسماها (القوة الفضائية)، وبهذا تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الأولى في هذا الكون التي تنشئ مثل هذه القوة لأغراض عسكرية بالدرجة الأولى.
وأنا استعرض هذا التاريخ المضيء لغزو الفضاء أتذكر الكثير من الأحداث المبهرة وأخرى سيئة الحظ اكتنفت هذه الرحلة في تقدم البشرية. وكان اسوأها انفجار مركبة الفضاء الأمريكية ابولو وعلى متنها 7 من رواد الفضاء قضوا جميعا .. ومن بعدها انتكس برنامج المركبات المأهولة إلى يومنا هذا. إلا أن البشرية استفادت دروسا كثيرة من هذه الكارثة. وأزعم أنني أنا أحد أؤلئك الذين استفادوا إداريا من تلك الحادثة ولكن كيف؟.
بعد فترة من الحادثة صدر تقرير تفصيلي يشرح الإسباب الهندسية التي أدت إلى الكارثة. وكان هناك جانب إداري في الموضوع. وتصادف في تلك الفترة أننا كنا في الخطوط السعودية نعد لعقد مؤتمرنا السنوي لمناقشة الاستراتيجيات والأهداف والخطط السنوية لتطوير أعمال المؤسسة برمتها. وكانت في تلك السنة نتائج الخدمات غير مرضية لجمهور المسافرين. وهاتفني أخي الاستاذ مصطفى معوض. وكان مساعدا للمدير العام لتقنية المعلومات. وقال لي لدي تقرير أود أن تطالعه وأنت تعد للمؤتمر. وقرأت التقرير ووجدت ضالتي فيه لإقناع قادة المؤسسة بأن الأمور تسير في اتجاهٍ غير مرضٍ. وفي خطابي لافتتاح المؤتمر وجهت حديثي لمدير عام المؤسسة الكابتن أحمد مطر- رحمة الله عليه – وسألته:( هل تعلم معاليكم لماذا انفجر مكوك الفضاء الأمريكي؟). فهز رأسه بالنفي. فقلت له كان هناك عيب فني ربما تسبب في تسريب للوقود. ولقد قدم فريق العمل آنذاك تقريرا ينبه الإدارة العليا بذلك الأمر، ولكن للأسف لم ينصت أحد إليهم. وانفجر المكوك.
وقلت اعتقد إن رسالتي قد وصلت اليكم.
وبعد انتهائي من إلقاء الخطاب، تقدم معاليه إلى المنصة، وشد علي يدي، وشكرني على صراحتي، وطلب مني أن أفتح خطوط الهاتف فورا حول العالم كي يتحدث إليه الموظفون من جميع محطات السعودية في حضرة جميع التنفيذيين طوال فترة المؤتمر، وهكذا كان.
أيها القادة في المؤسسات التجارية، افتحوا قلوبكم وصدوركم وعقولكم وآذانكم واستمعوا إلى موظفيكم، حتى تأخذوا منشآتكم إلى آفاق المستقبل.