جدة- ياسر خليل
رغم أن ميادين جدة اختفت وتلاشت من المشهد البصري ، إلا أنها ما زالت تعيش في الوعي الجمعي لسكان وزوار عروس البحر الأحمر ، خصوصا أن تلك الميادين الراحلة أبدعتها أيادي فنانين عالميين وكانت بمثابة لوحات فنية تزين شوارع جدة ، وليس هذا فحسب بل أن كل ميدان ومجسم كان بمثابة رمز يتحدث عن نفسه ، غير أن حراك البنى التحتية، غير سيناريوهات المشهد ، مما أدى إلى إدخالها إرشيف ومتحف التاريخ ،
وتشير الحيثيات إلى أن قصة إيقاع ميداين جدة بدأت فكرتها في سبعينات القرن الماضي بأعمال فنية وجمالية في فترة أمين جدة الأسبق المهندس محمد سعيد فارسي ـ رحمه الله ، وكانت الميادين بمثابة أيقونات لتسهيل إنسيابية السير وتوصيف لعناوين الأحياء والشوارع وتحديد المواقع الجغرافية، فضلا عن إضفاء ملامح جمالية ذات إبعاد خاصة على فضاء المدينة في ذلك الزمان ،
ولعل سكان العروس وزائريها ما زالت ترتسم في ذاكرتهم أبرز تلك المجسمات والميادين ومنها ميدان الدراجة الشهير وهو عبارة عن مجسم لدراجة كبيرة وميدان الطائرة الذي يحتوي أقدم طائرة دخلت الخدمة في السعودية وهي أول طائرة أهديت للملك عبدالعزيز ـــ رحمه الله ـــ من طراز “داكوتا،” كذلك ميدان الفلك، وميدان الكرة الارضية وميدان الهندسة ودوار الجمل وغيرها الكثير من الميادين التي تعد من أبرز معالم عروس البحر والسؤال اين اختفت الطائرة نت الدوار وما مصير دوارالفلك وهل سيعود المعلم لموقعه.
ولأن حراك البنى التحينة لمدينة جدة وشوارعها وأحيائها تتطلب إيقاعا سريعا من نوع آخر تمشيا مع إتساع الرقعة العمرانية وكثافة السكان ، فإن أمانة جدة بدأت بإزالة عدد من المجسمات الشهيرة كان من أهمها مجسم الطائرة تقاطع شارع الأمير ماجد مع شارع الأمير سعود الفيصل، وهو معلم إلى جانب العديد من المجسمات التي ظلت تشكل ذائقة في الشوارع لنحو ثلاثة عقود.
الاختناقات المرورية
تعد دراجة جدة الشهيرة، أحد أعمال المعماري الأسباني خوليو لافنتي، الذي قدم الى مدينة جدة في مطلع السبعينات وأسندت له مهمة ادارة التخطيط في الامانة. ولم يكن ميدان الدراجة هو الوحيد الذي طالته سيناريوهات التفكيك، إذ أن دوار الفلك الشهير نال نصيبه أيضا حيث تم تفكيكه قبل عدة أيام لتنتهي بذلك مشاهد ميادين العروس ، وذلك ضمن خطة لحل مشكلة الاختناق المروري عن طريق إنشاء انفاق تحت الارض. ولكون الميادين ارتبطت في الذائقة الجمعية لسكان العروس فقد تباينت آراء الأهالي مدينة جدة حيال إزالة تلك المعالم الشهيرة التي اشتهرت بها المدينة، فمنهم من اشاد بخطة امانة جدة لتيسير الحركة ومنهم من ابدى اعتراضه من مبدأ الحفاظ على التراث والمعالم الشهيرة التي عرفت بها مدينة جدة. وفي هذا السياق قال منصور ماجد الحربي، آحد سكان حي الفيصلية إن مدينة جدة اصبحت مكتظة بالسيارات والإختناقات المرورية والتي أصبحت من سمات عروس البحر الاحمر .
وأضاف بقوله ” مشكلة الاختناقات المرورية تشكل عائقا وهاجسا كبيرا أمام المواطنين والمقيمين طوال اليوم، فالاختناقات المرورية والزحام الكبير الذي تشهده هذه الشوارع ليل نهار اصبح هاجسا لاصحاب السيارات وايضاً التجار اصحاب المحلات. لذا اتمنى من الامانة مواصلة عملها بإزالة تلك الميادين الكبيرة التي اخذت مساحة كبيرة من الطرق”. الجواب ايضاً كان واضحا، عدنما طرحناه على باسم فدعق، أحد ساكني الصفاء تحدث هو الآخر وأبدى أسفه الشديد على الاختناقات المرورية في شوارع المنطقة وقال: ” اعتقد عندما ازيل مبدان الطائرة لمسنا الفرق وأصبح هناك انسيابية في الطريق. فكرة الأنفاق والجسور أكثر من رائعة والدليل الانفاق و”الكباري” التي نفذتها الامانة في السنوات الاخيرة”.
فوانيس الذكريات
في الجانب الآخر ، لم ترق خطة إزالة المعالم الشهيرة لعبد الله الخضير، وقال ” اتركوا لنا قليلاً من فوانيس الذكريات”.
واضاف ” تشهد جدة، مثل غالبية مدن العالم، أزمة ازدحام مروري خانقة، نتيجة التطور المتواصل ولكن كنت اتمنى أن تبقى تلك المعالم الشهيرة لانها تحمل الكثير من الذكريات لنا نحن سكان العروس”.
ونوه الخضير بأن الامانة لم تلتزم بوعدها عندما صرح مسؤول في أمانة جدة عام 1415 بعدم إزالة دوار الفلك ولكن سيتم تجميله واعتبر أن الميادين الموجودة في جدة؛ هي مجسمات عالمية.
تباين الآراء
وتباينت الآراء وردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية إزالة دوار الفلك مؤخرا، وقالت مها الحمري في حسابها بتويتر” فقدت جدة الكثير من معالمها الجميلة والمميزة بعد إزالة ميادينها”.
وذكر ايمن عبد الله في حسابه بتويتر” إزالة الميادين مثل ميدان الفلك والدراجة بشوارع جدة مفيدة للمصلحة العامة. ياليتها تبقى ولا تهدم لانها أصبحت جزءا من تاريخ جدة. اما عبدالالة البعداني فقال رأيه كالتالي ” كفى تحطيما لهوية مدينتنا، نريد حلولاً حقيقية مثل المترو والترام والحافلات النظيفة واللائقة لنقل الركاب ولا نريد طمس الهوية الجداوية”.
مجسمات الرضوي
يذكر أن الفنان التشكيلي الراحل الدكتور عبد الحليم رضوي كان أحد التشكيليين الذين وضعوا بصماتهم في ميادين جدة ، إذ انه كان متعاقدا مع امانة جدة لتنفيذ مجسمات تناسب البيئة البحرية والمكونات التراثية والثقافية لعروس البحر الأحمر ، وكان للرضوي يرحمه الله نحو 33 مجسما من المجسمات التي تزين ميادين جدىة والتي أصبحت في ذمة التاريخ.
ويعد الفنان رضوي احد رواد الحركة التشكيلية السعودية مع الفنان محمد السليم يرحمه الله.
لوحات عالمية في شوارع العروس
يذكر أن أمين جدة الأسبق محمد سعيد فارسي ــ رحمه الله كان يدعو الشركات العاملة في مشاريع البنى التحتية لنصب مجسم فني بكل مشروع، حيث تم إنشاء نحو 500 مجسم من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتم نصبها على امتداد كورنيش شاطئ البحر، فضلاً عن بناء مجسمات عملاقة، مثل «الدراجة» و»الفلك» وغيرهما في الميادين العامة، قبل أن يتم تقليص عددها بسبب مشاريع الجسور والأنفاق. وتعود تلك المجسمات لفنانيين عالميين.
ويذكر أن آخر ميدان شهير تم تفكيكه هو ميدان الفلك وذلك ضمن مراحل مشروع جسر شارع صاري مع طريق الملك فهد، وتم رفع ونقل مجسم الميدان تمهيدا لاستكمال أعمال تنفيذ الجسر علي ان يم إعادة المجسم لاحقا في موقعه الجديد بمنطقة التقاطع. وكانت الأمانة شرعت في منتصف يناير الماضي في اعمال مشروع الجسر التي ستستمر لمدة 18 شهرا وسيكون الجسر بعد اكتماله بطول 800 متر.
وأعلنت كذلك في حينه عن خطتها لنقل المجسم وتغير موقعه بمحاذاة الجسر لتحرير الحركة المرورية وفك الاختناقات.