جدة ــ البلاد
وسط تصاعد التهديدات الإيرانية في المنطقة جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، لعقد قمتين عربية وخليجية في مكة المكرمة، لبحث تطورات المنطقة، بعد حادثتي استهداف السفن قبالة سواحل الإمارات، واستهداف مضختي ضخ النفط في عفيف والدوادمي بالرياض، وتتزامن القمتان مع القمة الإسلامية الـ14 المرتقب انعقادها أيضاً في مكة المكرمة يوم 31 مايو، بمشاركة عدد كبير من قادة دول منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة.
قضايا:
ومن المقرر أن تناقش القمتان اللتان دعا لهما خادم الحرمين الأمن والاستقرار في المنطقة، وأيضا بحث تداعيات الهجوم على ناقلتي النفط في الإمارات ومحطتي ضخ النفط بالمملكة، الى جانب بحث التداعيات الخطيرة على الأمن الإقليمي والدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية.
وتأتي الأهمية الاستراتيجية للقمتين في التوقيت والقرار الحاسم لوضع حد لممارسات طهران، ومحاولاتها لجر المنطقة لحرب طاحنة ستكون إيران هي الخاسر الأكبر فيها.
تعميم الدعوات :
وكانت جامعة الدول العربية قد أعلنت في وقت سابق، أن القمة العربية الطارئة في مكة ستبحث الاعتداءات على سفن تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما قامت به مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران من الهجوم على محطتي ضخ نفطية في الرياض، ولما لذلك من تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية.
وأضافت أن ذلك يأتي استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لقادة الدول العربية لعقد قمة طارئة في مكة المكرمة بعد أيام.
وقالت في بيان إن هذا الإجراء يأتي في إطار المادة 3 من الملحق الخاص بالانعقاد الدوري لمجلس الجامعة على مستوى القمة، التي تنص على أن ينعقد المجلس بصفة منتظمة، في دورة عادية مرة في السنة في شهر مارس، وله عند الضرورة أو بروز مستجدات تتصل بسلامة الأمن القومي العربي عقد دورات غير عادية إذا تقدمت إحدى الدول الأعضاء بطلب لذلك ووافق على عقدها ثلثا الدول الأعضاء.
تشكيل كتلة فاعلة :
هذا فيما توقع دبلوماسيون وخبراء في الشأن العربي نجاح القمتين العربية والخليجية في تشكيل “كتلة فاعلة” تجمع دول الرباعي العربي، فضلا عن عدد من الدول الأخرى، للعمل على وضع خطة عمل واضحة لمواجهة محور الشر في المنطقة التي تضم إيران وتركيا وقطر.
وثمن الخبراء، دعوة خادم الحرمين الشريفين للقمتين العربية والخليجية، مؤكدين أهمية اجتماع القادة العرب سريعا “لوضع النقاط فوق الحروف” إزاء المخاطر التي تتعرض لها المنطقة، من أجل الخروج برؤية عربية موحدة لمواجهة التهديدات.
وقال المحلل السياسي خالد الزعتر إن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لعقد قمتين عربية وخليجية تعكس مكانة المملكة على المستوى العربي والإقليمي، وكذلك أهمية التنسيق والتعاون على المستوى العربي والخليجي.
وتأتي الأهمية الاستراتيجية لهذه الدعوة للقمتين في وقت حاسم شديد الخطورة، في ظل ما تشهده المنطقة من حالة تصعيد وتهديدات إيرانية مستمرة.
وأضاف الزعتر، في مداخلة مع قناة “الإخبارية” ، أن الدعوة للقمتين تأتي خلال مرحلة مهمة ومفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك، ونقلة للعمل العربي المشترك لآفاق ومجالات أوسع.
وتابع أن القمة العربية لن تقف فقط على خطابات التنديد والتضامن، ولكن ستبحث موقفاً عربياً موحداً في حال استمرت إيران في هذه الممارسات التصعيدية.
وأضافت أن ذلك يأتي استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لقادة الدول العربية لعقد قمة طارئة في مكة المكرمة يوم الخميس 30 مايو.
مصدر خطر :
بدوره، قال المحلل السياسي الدكتور أحمد الركبان إن منطقة الخليج العربي تعاني من ويلات التدخلات الإيرانية، التي تعبث بأمن المنطقة ولا تبالي بقدسية شهر رمضان، مستطردا في هذا الصدد: “على المجتمع الدولي أن يقف مع العالم العربي ضد تلك التدخلات، بعد أن أصبح نظام الملالي بطهران مصدر خطر ليس فقط للعالم العربي بل للعالم أجمع”.
وأعرب الركبان عن أمنيته أن يتفق قادة العرب خلال القمتين على اتخاذ مواقف موحدة أمام التدخلات الإيرانية.
وقال: “إيران بحاجة لردع دولي وعربي لوقف سياستها التخريبية، حيث إن لها مخالب وعملاء في الكثير من الدول العربية يدعمون العمليات الإرهابية التي تقع بداخلها، دون مراعاة لقدسية الشهر الفضيل”.
وكان أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية قد أدان محاولة جماعة الحوثيين مجدداً استهداف مكة المكرمة بصاروخين باليستيين، مُشدداً على أن مثل هذه الأعمال الإرهابية تمثل تهديداً خطيراً، ليس فقط لأمن واستقرار المملكة وإنما أيضا للأمن الإقليمي ككل، إضافة إلى كونها تمثل انتهاكاً لحرمة الأماكن المقدسة وشهر رمضان الفضيل.
وضع النقاط فوق الحروف :
بدوره أشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون العربية السفير نبيل بدر الى جملة تحديات كبيرة أمام القمتين العربية والخليجية، مضيفا : نحن إزاء وضع النقاط فوق الحروف، من خلال تحديد فعلي للأخطار التي تهدد الخليج العربي والأمة العربية”.
واستعرض بدر ما اعتبره عناوين رئيسية للأخطار المحدقة بالمنطقة كمحاور للنقاش على طاولة القمتين بالقول: “أولا موقف إيران والقوى الداعمة لها في الداخل والخارج، وثانيا: موقف الدول المحسوبة علينا عربيا أو خليجيا مثل قطر التي تعمل ضد المصالح الخليجية والعربية بصورة فاضحة، أما ثالثا فهو موقف الدول المتدخلة مثل تركيا التي تتجاوز كل الحدود وتسعى لتحقيق طموحات استعمارية في المنطقة، وأخيرا تأثير هذه العوامل جميعها على دعم الإرهاب بالمنطقة والعالم بأسره”.
وأوضح السفير بدر أنه عقب التحديد الواضح لهذه العوامل لا بد من التحرك الدولي المنسق؛ لتوضيح وجهة النظر العربية، حيث إن التنسيق مطلوب على مستوى عالٍ لإعادة الأمور إلى نصابها، مع الوضع في الاعتبار أن هذه الأخطار طويلة الأمد، وتهدد دول الخليج العربي والمنطقة، والمطلوب اتخاذ مواقف واضحة منها.
ولفت السفير في تصريح لموقع “بوابة العين” الاماراتي إلى أن القمة الخليجية نهاية مايو الجاري يمكن أن تتحول إلى قمة لاستعادة الثقة إذا تعاملت مع هذه المعطيات والعوامل السابقة بصورة واضحة، وليس فقط مجرد التركيز على طرف واحد من الفاعلين والتجاوز عن غيره أو عدم تحديد هذه النقاط.
وأعرب عن أمنيته أن تكون هناك كتلة فاعلة تضم أكبر عدد من الدول والفعاليات العربية التي تتفق على هذا المنهج، وتتخذ خطوات مناسبة، وقد تتفاوت الرؤى لبعض الأطراف بدعوى التهدئة والحياد، لكن المسألة تحتاج إلى عمل يتجاوز هذا.
وأشار إلى أن الكتلة الفاعلة تضم الدول الرباعية المملكة والإمارات ومصر والبحرين إضافة إلى ضم دول أخرى، من أجل توسيع القاعدة بقدر ما تستطيع، من أجل التنسيق ورسم خطة عمل واضحة لمواجهة تهديدات محاور الشر في المنطقة.
لجم المشروع الإيراني:
من جهته، أعرب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي عن أمنيته في أن تساهم القمم العربية والخليجية والإسلامية في دعم أمن واستقرار المنطقة، وخفض أيضا التوتر والتصعيد الجاري في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
وقال هريدي، في تصريحات صحفية “نأمل أن تؤدي قمم القادة العرب المقبلة إلى التوصل لاتفاق، أو رؤية مشتركة حول السبل الكفيلة لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة”.
وأكد أن الأوضاع في المنطقة تتطلب اجتماعا عاجلا للقادة العرب للتدارس فيما بينها لمواجهة تطورات الأحداث، مشددا على أنه لا يمكن ترك الشأن العربي لقوى دولية أو إقليمية لتحديد مساراته ومآلاته، مردفا: “آن الأوان لإيجاد حلول عربية للأزمات والقضايا العربية”.
ودعا هريدي حكومة طهران إلى إعادة النظر في سياستها، حيث تتصرف وكأن لها حقا أصيلا في التدخل بالشأن العربي الداخلي، وعليها التصرف كدولة وليس كثورة إسلامية، بأن تترك للشعوب العربية الحرية والحق في البحث عن حلول عربية لمشاكلها، مضيفا أنه “لا داعي للمزايدة على المواقف العربية والإسلامية خصوصا في الصراع العربي الإسرائيلي”.
غليان يستدعي اجتماع العرب:
هذا فيما ثمن وزير خارجية مصر الأسبق السفير محمد العرابي في تصريحات صحفية دعوة خادم الحرمين الشريفين للقمتين العربية والخليحية نهاية مايو الجاري، قائلا: “من الضروري اجتماع قادة العالم العربي والإسلامي سريعا، خصوصا أن المنطقة تشهد درجة عالية جدا من الغليان، ولا بد من وضع حد للتوتر الحالي”.
وتابع القول: “ستسعى هاتان القمتان إلى تحقيق قدر من التنسيق السياسي، والخروج بموقف موحد إزاء الخطر والتهديد الإيراني والتركي والقطري كمحاور للشر في المنطقة”، متوقعا ألا تصل الأمور إلى حد المواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران على الرغم من تصاعد وتيرة الأحداث في المنطقة.
وأشار العرابي إلى أهمية توقيت القمة العربية والخليجية لمواجهة ليس فقط تهديدات محاور الشر في المنطقة، لكن أيضا لتدارس تداعيات ما بات يعرف بصفقة القرن “الخطة الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، المزمع الكشف عنها قريبا.
وكان وزير إيراني سابق قد أقر بتورط بلاده ضمنيا بالهجوم الإرهابي الذي استهدف محطتي ضخ نفطيتين بالمملكة الأسبوع الماضي، بدعوى الرد على سياسة الولايات المتحدة لتصفير صادرات النفط الخام لطهران.
وأضاف محمد حسيني سياسي متشدد ووزير إرشاد سابق في إيران في مقطع مصور بثه عبر حسابه على شبكة أنستقرام أن “هجمات الطائرات المسيرة على منشآت نفطية بالرياض كانت نتيجة لسعي أمريكا وضع إيران تحت الحظر النفطي الكامل”، على حد قوله.
ورفعت إيران مستوى إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب لأربعة أمثاله بعد أسبوع من توقف طهران رسميا عن بعض الالتزامات بموجب الاتفاق النووي في خرق للقوانين الدولية والاتفاق النووي.
الامارات تستنكر استهداف مكة :
هذا فيما أعربت دولة الإمارات عن استنكارها وإدانتها، بأشد العبارات محاولة الميليشيات الانقلابية الحوثية، استهداف مكة المكرمة بصاروخ باليستي أول أمس.
وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، في بيان أن محاولة استهداف أشرف بقاع الأرض خلال شهر رمضان الكريم، يمثل اعتداءً آثماً على حرمة بيت الله الحرام، وتصعيدا خطيرا غير مسبوق وإفلاساً أخلاقياً لهذه الميليشيات.
ولفتت الوزارة إلى عدم وجود حدود دينية أو أخلاقية تردع هذه المليشيات عن إجرامهم واستفزازهم لمشاعر المسلمين حول العالم.
وأشار البيان إلى أن هذا الاعتداء وفي هذا الوقت بالذات، يعكس ارتهان الميليشيات الحوثية لإرادة خارجية وتنفيذها لهذه الأجندات، وأن هذا العمل الآثم يهدف إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة وتقويض فرص السلام والمساعي الهادفة لتحقيقه في اليمن.
وشددت دولة الإمارات على وقوفها التام إلى جانب المملكة ضد كل من يحاول أن يهدد أمنها أو يمس السلم والاستقرار على أراضيها، مؤكدة في الوقت نفسه على الارتباط العضوي بين أمن الرياض وأبوظبي.