يتفق كثير من خبراء التغذية على أن الأطعمة المصنعة عالية المعالجة ( Ultra-processed food ) ذات المذاق الجذاب ، و المليئة بالكربوهيدرات المكررة، والسكريات المضافة، والدهون ؛ تؤدي إلى إفراط الناس في تناولها على الرغم من نقص قيمتها الغذائية؛ لقلة محتواها من الألياف، والبروتين، والفيتامينات ،وغيرها من العناصر الغذائية الهامة .
ووفقا لآخر التقديرات ، تشكل الأطعمة المصنعة أكثر من ٥٠ % من الوجبات الغذائية المستهلكة عالميا ، ذلك أنها مناسبة للأفراد الذين لديهم محدودية في الوقت ، والمال ، ومهارات الطبخ. و في السنوات الأخيرة ، ربط العديد من خبراء التغذية وباء السمنة بانتشار الأطعمة المصنعة، والتي تم تصنيعها لتكون ذات عمر افتراضي طويل، ومزيج ذي مذاق لذيذ يصعب مقاومته ، حيث وجدت كثير من الدراسات الرصدية ( observational studies ) التي اجريت على آلاف الأشخاص حول العالم أن تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة يرتبط باحتمالية أكبر للوفاة المبكرة من أمراض القلب والسرطان.
وعلى الرغم من ذلك ، إلا أن نتائج هذه الدراسات لا يمكن التعويل عليها كثيرا ، ذلك أنه لا يمكن للدراسات السكانية الكبيرة أن تفصل تمامًا تأثيرات تناول الأطعمة فائقة المعالجة عن عوامل نمط الحياة الأخرى التي تؤثر على خطر المرض ، كالتدخين ، والخمول البدني ، وغيرهما من السلوكيات الصحية الخاطئة.
ولتجاوز هذه المشكلة ، أجرى المعهد الأمريكي للأبحاث أول دراسة عملية سريرية تقارن بين تأثير تناول الأطعمة المصنعة عالية المعالجة، والأطعمة غير المصنعة ، على زيادة الوزن. واظهرت نتائج الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي ، أن الذين تم اعطائهم نظاما غذائيا غنيا بالأغذية المصنعة فائقة المعالجة كحبوب الإفطار ، والكعك ، والخبز الأبيض ،والزبادي المحلاة ، ورقائق البطاطس قليلة الدسم ، واللحوم المصنعة، تناولوا كميات اكبر من الطعام ، واكتسبوا المزيد من الوزن ، وازداد مستوى هرمونات الجوع لديهم، مقارنة بأولئك الذين أعطوا نظاما غذائيا من الأطعمة غير المصنعة مثل الفواكه ، والخضروات الطازجة، والبيض ، والدجاج المشوي ، والأسماك، والحبوب الكاملة.
إن هذه الدراسة بنتائجها المهمة تطرح سؤالا مهما: هل يمكن لمصانع الأغذية أن تنتج أطعمة مصنعة صحية لاتسبب زيادة الجوع وبالتالي الافراط في الأكل ؟ لعله من الضروري للإجابة عن هذا السؤال ادراك أهمية وجود تشريعات تستند على البراهين العلمية لحماية الصحة العامة عبر تحديد المخاطر التي تؤثر عليها، وتصميم التدخلات أو السياسات التي تحد من التعرض لها.
وفي ضوء ذلك ، يمكن حصر التشريعات الصحية القائمة على البراهين العلمية إلى ستة أقسام : القوانين الالزامية (كاشتراط أخذ التطعيمات اللازمة للأطفال للالتحاق بالمدارس) ، وضع القيود (كحظر بيع السجائر للقُصّر) ،التدخلات الاقتصادية (كوضع ضريبة على السجائر)، الحد من التسويق والانتشار(كتنظيم إعلانات التبغ) ، توفير المعلومات (كالحملات التثقيفية للترويج للفواكه والخضروات )
الاشتراطات البيئية (كتغيير الطبق الجانبي في المطاعم من البطاطس المقلية إلى السلطة) .
إن العادات الغذائية للبشر تغيرت في الأربعين سنة الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث ارتبط الافراط في تناول الأطعمة المصنعة غير الصحية بنقصٍ واضح في تناول الوجبات الغذائية الصحية ، وبفحص معظم البيئات الغذائية المتاحة ، نجد أنه من الصعب أحيانا تناول نظام غذائي صحي، نظرا لقلة توفر خيارات بديلة للأغذية المصنعة.
ونظرًا لحجم وباء السمنة، والتغيرات السريعة والعالمية في أنماط النظام الغذائي غير الصحي ، فمن غير المرجح أن تتحسن عادات الأكل العامة للسكان دون تدخلات تشريعية رئيسية، الأمر الذي يتطلب جهودا منهجية واسعة النطاق ؛ لمعالجة هذه المشكلة.
Drhalmalki@gmail.com