الخرطوم ــ وكالات
واصل آلاف السودانيين اعتصاما مفتوحا أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم لليوم الثالث على التوالي، وسط تزايد في العدد ومحاولات من الشرطة لفضه بالقوة الجبرية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة.
وفي تطور للأحداث، أعلن مصدر طبي سوداني، مقتل اثنين، أحدهما عنصر بالقوات المسلحة، أثناء تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، أمام مقر وزارة الدفاع .
وأوضحت لجنة أطباء السودان المركزية أن “سامي شيخ الدين، من منسوبي القوات المسلحة توفي متأثراً بجراحه “أثناء محاولته الدفاع عن المعتصمين بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات أمنية”.
وأضافت اللجنة في بيان “كما توفي المواطن إبراهيم عثمان (55 عاماً) متأثراً بجراحه نتيجة لتعرضه للضرب والتعذيب من قبل الأمن بضاحية جنوبي الخرطوم”.
وفي وقت سابق، قال “تجمع المهنيين السودانيين” المنظم للتظاهرات” إن “وحدات وطنية من القوات المسلحة قامت بحماية المتظاهرين المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم”.
وأضاف التجمع في بيان “أن “عشرات من قوات الأمن تتجمع بالقرب من قيادة الجيش لفض الاعتصام مستخدمة كل أنواع القمع”.
ووثق مقطع فيديو، نشرته صفحة على موقع “فيسبوك”، لحظة تدخل قوات تابعة للجيش، عصر الأحد، لمنع قوات الأمن من فض الاعتصام، الذي ينفذه آلاف السودانيين، أمام مقر وزارة الدفاع .
ونصب الجنود، بحسب الشهود، حواجز في الشوارع القريبة من المجمع الذي يضم وزارة الدفاع ومقر إقامة الرئيس عمر البشير لمنع السيارات من الاقتراب.
وفي وقت مبكر من صباح الاثنين، وصلت مركبات عدة تحمل عناصر من جهاز الأمن والمخابرات وشرطة مكافحة الشغب إلى الموقع، حيث يحتشد المتظاهرون بشكل متواصل منذ السبت، وفق ما أفاد شهود وكالة فرانس برس.
وقال شاهد طلب عدم الكشف عن هويته: “بدأت قوات الأمن بعد ذلك إطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين”.
وبحسب رويترز، قال محتجون وشهود إن جنوداً سودانيين تدخلوا لحماية متظاهرين من قوات الأمن.
وسمع سكان المناطق القريبة من قيادة الجيش أصواتا مدوية في الثلث الأخير من ليل الأحد حتى طلوع شمس الإثنين، بدأت كأنها أصوات لإطلاق رصاص وقنابل غاز مسيلة للدموع، وسط تقارير بسقوط محتج قتيلا وعدد من الإصابات بصفوف الجيش جرى إسعافهم بالمشافي المجاورة.
وبدأ المحتجون في التوافد مجدداً على مقر قيادة الجيش بعد أن تناقص العدد ليلاً كما هو معهود منذ الدخول في اعتصام مفتوح يوم السبت الماضي، حيث يتضاعف العدد نهاراً.
وعمدت السلطات السودانية إلى إغلاق جميع الجسور المؤدية للخرطوم من بقية مناطق العاصمة لليوم الثالث في محاولة لوقف التدفق، لكن المواطنين آثروا العبور مترجلين للوصول إلى ساحة الاعتصام.
ووجد التفاعل الإيجابي من الجيش احتفاء بالغاً من جانب المعتصمين، حيث أظهرت مقاطع مصورة بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملهم لبعض أفراد القوات المسلحة على أكتافهم وهم يهتفون بـ”الجيش معانا ماهمانا” في إشارة إلى أنهم لا يكترثون لأي شيء طالما يساندهم الجيش ويحميهم.
وتشهد ساحة الاعتصام أمام قيادة الجيش أجواء احتفالية، وترديد النشيد الوطني، في مشهد يبدو ذا صلة بنشر الجيش سياراته وتوفير الحماية لهم من القوات التي حاولت فضهم بالقوة.
واعتبر مراقبون للمشهد السوداني أن موقف الجيش من المعتصمين وإن كان فردياً، سيكون محفزاً أمام تدفق المزيد من المواطنين لساحة الاعتصام أمام القيادة العامة وهو ما يزيد الوضع تعقيدا بالنسبة للحكومة التي تسعى لفض الاعتصام.
وفي خضم هذه التطورات، قدم وزيرا الدفاع والداخلية بالسودان تقارير أمام البرلمان، حول الأوضاع الأمنية في البلاد، بعد أن استدعاهما بشأن تصاعد وتيرة الاحتجاجات.
وتبدو الشقة متباعدة لحد كبير بين الأطراف السودانية، حيث تتمسك الحكومة بالانتخابات كخيار أوحد لتداول السلطة، بينما يمضي المحتجون في تصعيد المقاومة السليمة بالاعتصام أمام أكثر المناطق حساسية في البلاد لليوم الثالث وبثبات استعصى على الأجهزة الأمنية.
وكان مجلس الدفاع السوداني قد دعا خلال اجتماعه برئاسة البشير، إلى أهمية جمع الصف الوطني وتحقيق السلام، وضرورة الاحتكام لصوت العقل لتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفتن.
وقال المجلس إن المحتجين يمثلون شريحة من شرائح المجتمع التي يجب الاستماع إلى رؤيتها ومطالبها، مشيراً إلى حرص الحكومة السودانية على الاستمرار في الحوار مع جميع الفئات بما يحقق التراضي الوطني.
فيما حذّر المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام حسن إسماعيل، من مغبة وقوع حرب أهلية، بسبب حالة الاستقطاب السياسي الحاد.
واتهم خلال تصريحات لقناة السودان الفضائية، جهات ومنظمات خارجية وجاليات مرتبطة بتجمع المهنيين والمعارضة بجمع أموال كبيرة لتمويل حشد القيادة العامة.
لكن المعارضة السودانية على لسان كثير من قياداتها ترى أن المقاومة السلمية في مواجهة النظام الحاكم وإسقاطه تمثل الطريق الأمثل والأنجح لضمان الأمن والاستقرار في البلاد.
الى ذلك وجه الرئيس البشير لجنة متابعة “الأزمة” التي شكّلها عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية، بجمع كل المبادرات المطروحة للحل وتصنيفها والتعامل معها “إيجاباً” لصناعة التحول في المستقبل.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السودان 19 ديسمبر الماضي، تقدم عدد من المكونات السودانية بمبادرات لتجاوز الأزمة السياسية، ويدعو غالبها إلى تشكيل حكومة انتقالية من جميع الأطراف لإدارة شؤون البلاد الشيء الذي رفضته السلطة الحاكمة بقيادة البشير وقتها.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن رئيس لجنة متابعة الأزمة السودانية بحر إدريس أبوقردة، عقب اجتماع طارئ مع الرئيس المفوض لحزب المؤتمر الوطني أحمد هارون، قوله إن الخطاب التاريخي الذي وجهه رئيس البلاد عمر البشير فبراير عالج وأزال حالة الانسداد في الأفق سابقا بإعلانه إيقاف التعديلات الدستورية التي تمنحه حق الترشح لولاية جديدة ونقل البلاد لمرحلة متقدمة.
وقال أبوقردة إن هذا يعني ضرورة إجراء ترتيبات انتقالية بالبلاد تتطلب مواصلة الحوار بمشاركة كل القوى السياسية المعارضة والمشاركة في الحوار الوطني وشباب الحراك.
وشدد على ضرورة التواصل بين كل هذه القوى حسب المسار الذي يتطلب التواصل ومن ثم الجلوس جميعا والتوافق على الترتيبات الانتقالية.
وكشف عن صدور توجيه من اللجنة التنسيقية العليا بقيادة رئيس الجمهورية لجمع وتصنيف كل المبادرات المطروحة والتعامل معها إيجابا لصناعة التحول في المستقبل، وفق المصدر ذاته.
ومن بين أبرز المبادرات المطروحة، ما أطلقها أساتذة جامعة الخرطوم والتي تدعو لتنحي البشير وتشكيل حكومة انتقالية، ومثلها مبادرة الـ”52″ شخصية قومية.
ودفع تحالف “قوى 2020” (يضم 26 حزبا سياسيا) المشارك في الحكومة، مؤخرًا، بمبادرة تدعو إلى تشكيل مجلس رئاسي من 5 أشخاص يتزعمه البشير يقود البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان بعد إلغاء انتخابات العام المقبل والتمديد للأجهزة التشريعية القائمة.