نيوزلندا يشهد لها العالم باحترامها للأديان السماوية، وتؤمن أنظمتها وشرائعها بمكانة الإنسان، سواء كان على أرضها مقيما أو على أية دولة من دول العالم، في تمازج حضاري يسجل لها بكل إعجاب، وهذا ما كشفه الحادث البشع والاعتداء الآثم، من قبل مجرم سلوكه الحقد والكراهية، في الوقت الذي تجاوزت الحضارة الإنسانية،
هذه السلوكيات العدائية بين شعوب الأرض، وأن كنا نشعر بفخر نظير مبادئ الدين الإسلامي، وقيمه الحضارية التي ترفض هذه الانتهاكات، إلاّ أن المجتمعات الإنسانية لا زالت تعيش فوبيا معينة جراء هذه المشاهد الدامية، بالرغم من كون دول العالم المعاصر صناع حضارة، تجبر الآخر على احترام نيوزلندا حضارة وتاريخا وشعبا.
إلاّ أن تلك الحادثة الإجرامية البشعة، جاءت من يد الغدر والتعطش لسفك الدماء البريئة، وتساؤل يحمله الجميع عن أي دين وأي حضارة وسلوك، يتحدث عنه ذلك المجرم بفعلته الإجرامية، ونحن نشعر باحترام دولة نيوزلندا والنظام الذي أوجدته ليعيش كل من على أرضها بالأمن والاستقرار، على مدى سنوات من عمر حضارتها العريقة، وهي امتداد عبر مسارات التاريخ واحترام الحضارات، دولة تؤكد للعالم أنها جزء من صناعة التاريخ والحضارة والرقي، وهي تتجاوز كل المتناقضات بين المجتمعات، التي تؤمن بالسلام أينما حلَّ في ربوع العالم، وتنادي بالمساواة ونبذ التفرقة بين الشعوب، وترحب بالمشاركات المجتمعية وتبادل المنافع والمصالح بين الدول والأفراد.
ويكفيها فخرا أن رئيسة وزرائها ارتدت الحجاب الإسلامي، بالرغم كونها لا تدين بالإسلام، وإنما ارتدته حدادا وتعبيراً لحزنها، لذلك المشهد الذي ذهب ضحيته، أكثر من خمسين شهيداً بمسجدين في دولة تتمتع برقي حضاري، فهؤلاء الضحايا التي طالتهم يد الغدر، وهُم يُؤدُّون شعيرة إسلامية، وفي يوم من أيام الله، يوم الجمعة الفضيل لتكون تلك المجزرة البشعة، التي اهتز لها العالم مستنكرا زمانها ومكانها، وأرواح الأبرياء الذين ينتمون لأكثر من ثلاثين جنسية، جمعهم التعايش السلمي والعيش لأجل الحياة، في مستوى اجتماعي لا يقل عن أي مستوى من المستويات الأسرية، لأي طائفة دينية بغض النظر للدين الذي يعتنقه رب تلك الأسرة.
أن ظاهرة الفكر الإرهابي أصبحت مسؤولية دولية، لابد من قطع جذورها ومحاربتها، في جميع دول العالم بوضع آلية بضوابط وبرامج وإستراتيجية عمل، يتفق على صياغتها وبنودها وتحديد ميزانيتها، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المجتمعات الإنسانية، من براثن أفعالها وممارساتها والأخطار الناتجة عنها، التي تسببت في الإيذاء النفسي للأسر التي فقدت عددا من أفرادها بدماء باردة، وتلك هي المأساة التي أدمت القلوب المؤمنة بحقوقها في العيش بأمان، ولعل الميديا العالمية تستطيع أن تعمل على معالجة هذه الظاهرة والفكر الضال، ببرامج وأجندة مشتركة، يشارك فيها العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، لمخاطبة الرأي العالمي وتحديد الفئات المستهدفة وسبل العلاج منعا لتكرار تلك المآسي.