طهران ـ وكالات
كثفت طهران على مدار الأعوام الماضية من وتيرة تأجيج الصراعات العشائرية عبر تسليح عدد من العشائر في جنوب العراق، والزج بأبنائها في صفوف المليشيات بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف دور العشائر، وإلهائها في حروب داخلية ليتسنى لها السيطرة على العراق.
فلطالما كان للعشائر دور مهم على الساحة العراقية سيما في تسوية الصراعات السياسية عبر تاريخ العراق، لذلك خططت إيران خلال السنوات الماضية إلى استهداف العلاقات الاجتماعية بينها، خصوصا في الجنوب، لإضعافها وإبعادها من المشهد السياسي وعزل بغداد عن محيطها العربي بالكامل.
وتعتبر النزاعات العشائرية مصدرا مهما من مصادر تمويل المليشيات بالأموال، فقادة المليشيات يجنون سنويا ملايين الدولارات مقابل افتعال هذه النزاعات، من بيع الأسلحة للعشائر وإطلاق سراح المجرمين، إضافة إلى بيع المناصب الأمنية في المحافظات.
ونقل موقع “العين الاخباري” عن رئيس مجلس العشائر في محافظة البصرة الشيخ رائد الفريجي قوله : إن “الصراعات العشائرية لم تنتهِ في جنوب العراق وستستمر بسبب ضعف الحكومة والصراعات السياسية المستمرة، وغياب قانون قوي يتصدى للتجاوزات التي تؤثر سلبا على المواطن وتربك الواقع الأمني”، مبينا أن النزاعات العشائرية تستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة، مما حولت المحافظات الجنوبية إلى ساحة حرب تنخر البنية التحتية لهذه المدن، وتوسع من مساحة الخراب فيها يوما بعد آخر.
وتشترك العشائر الموالية لإيران من خلال المليشيات بعمليات تهريب النفط والحديد والمخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر في جنوب العراق وفي العاصمة العراقية بغداد، عبر شبكات من المهربين ترتبط مباشرة بفيلق القدس الجناح الخارجي لمليشيا الحرس الثوري الإيراني، التي تدير شؤون عشائر العراق عبر ضباطها الموجودين في العراق منذ عام ٢٠٠٣.
واعتبر الشيخ صباح الشمري، أحد وجهاء محافظة البصرة المناهضين للوجود الإيراني في العراق، تحطيم الهوية العربية للبصرة باعتبارها أكبر مدن جنوب العراق هدفا رئيسيا لإيران ومليشياتها.
وقال الشمري في تصريح صحفي ان ايران تمارس عمليات ممنهجة لتفكيك النسيج الاجتماعي في جنوب العراق وضرب العادات العربية الأصيلة التي تربط العشائر عبر بث التفرقة فيما بينها، وتقوية بعض العشائر التي تمكنت إيران من شراء ذممها”.
ولفت إلى أن هناك اجتماعات مستمرة للسفير الإيراني في بغداد إمسجدي والمسؤولين الإيرانيين مع هذه العشائر، لإثارة المشاكل بين العشائر، ملمحا إلى أن إيران فتحت أيادي العشائر التابعة لها لفعل ما تشاء.
وحسب إحصائيات رسمية، أسفرت النزاعات العشائرية خلال العام الماضي ٢٠١٨ عن مقتل أكثر من ١١٣ مواطنا وإصابة أكثر من ٤٤٠ آخرين، سواء من أطراف النزاع أو المارة، إضافة الى الأضرار المادية التي لحقت بالبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة في البصرة جراء هذه النزاعات. ولعل السبب الآخر الذي دفع بالحرس الثوري ومليشياته في العراق إلى مواصلة عمليات انتقامية لزرع التفرقة بين العشائر هو الدور الذي تلعبه العشائر في دعم الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات، وإنهاء السيطرة الإيرانية على العراق، خصوصا أن وجود العشائر مع هذه الاحتجاجات تمنحها القوة لتلبية مطالبها، من خلال الضغط على الحكومة والمليشيات، لذلك تعمل إيران إلى إشغال العشائر عن التظاهرات الشعبية بالصراعات الداخلية.
وأشار رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية الأحواز، عارف الكعبي، إلى أن العلاقات التاريخية بين العشائر العربية في جنوب العراق والعشائر العربية في الأحواز -التي تعتبر امتدادا عربيا للعراق والخليج العربي- جعلت العشائر العراقية تتعاطف وتتضامن مع عشائر الأحواز وقضيتها المشروعة، الأمر الذي جعلها مستهدفة من قبل مليشيا الحرس الثوري الإيراني.
وأردف الكعبي “شكلت إيران مليشيات الحشد الشعبي لتجنيد أبناء العشائر في العراق وجعلها موالية لإيران عبر هذه المليشيات الإرهابية، ورغم اكتشاف غالبية العشائر خدعة النظام الإيراني في جرها إلى الصراعات الداخلية وإشغالها كي تغض النظر عن نفوذ إيران في البلاد، إلا أن العشائر لا تستطيع أن تنقلب على بعضها، لذلك حدثت اصطدامات مسلحة فيما بينها، واشتد التناحر بينها خلال العامين الماضيين”.
يشار إلى أن أضرار النزاعات العشائرية خلال السنوات الماضية لم تقتصر على الحياة الاجتماعية لسكان البصرة والمحافظات الجنوبية، بل شملت الحياة الاقتصادية، فالبصرة المعروفة بعاصمة العراق الاقتصادية والحاضنة للشركات الأجنبية خصوصا الشركات النفطية أصبحت شبه مشلولة.
وشكل هذا الانفلات الأمني أجواء من التوتر لدى الشركات الباحثة عن أجواء هادئة، الأمر الذي تسبب في حرمان البصرة من الكثير من المشاريع الاستثمارية.
وفى سياق منفصل أكد خبراء سياسيون ودبلوماسيون أن إيران هي التحدي الإرهابي الأول في العالم، وأن مواجهتها تعني القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية، ومن بينها داعش. وقال الخبراء، خلال الندوة التي نظمها معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأمريكية واشنطن، وشارك فيها جيرالد فييرستين سفير الولايات المتحدة السابق لليمن ورولف موتزنيتش عضو البرلمان الألماني، إن “إيران تدعم تنظيم داعش في سوريا، ومليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن، ومليشيا حزب الله الإرهابي بجنوب لبنان، وتعمل أيضا على زعزعة استقرار العراق”. وأوضح رولف موتزنيتش، أن “أوروبا قريبة نسبيا من إيران، ومعرضة بشكل مباشر لتهديدها المستمر، حيث إن هناك أسلحة إيرانية أعلن عنها النظام الإيراني تستطيع الوصول إلى أوروبا”.
ودعا موتزنيتش إلى مزيد من الضغوط على النظام الايراني، مؤكدا أن “إيران لا تتعاون مع المجتمع الدولي، وتعمل فقط لصالح مصالحها الشخصية”.
من جانبه، قال جيرالد فييرستين، سفير الولايات المتحدة السابق لليمن، إنه “لا بد من توحيد الصفوف في المنطقة العربية لمواجهة الخطر الإيراني”.
وأكد فييرستين أن “الإدارة الأمريكية الحاليّة تعمل على مواجهة النظام الإيراني، وفرضت عقوبات أكثر من مرة عليه”، داعيا الشركات الأوروبية إلى “الالتزام بعدم التعاون مع نظام ولاية الفقيه اقتصاديا، حتى يمتثل للمجتمع الدولي”.