إجماع النخب الثقافية السعودية حول الممارسة الفعلية Actual practice، التي مكنت الصين أن تحتل هذه المكانة التاريخية، والتي تكتسي بالطابع الاجتماعي، والمتماثل مع معطيات جوانب التنمية الاقتصادية، وهي قضية طالما جنَّدت الصين طاقاتها للوصول إليها، بغية فتح أسواقها خارج محيط سورها العظيم، وهذا الإنجاز الحضاري الذي بات حقيقة اعترف بها العالم اليوم، لم يأت من فراغ وإنما هناك قفزات تنموية، ومسارات جبارة صنعت منها هذه القوة الاقتصادية، ولم تكتف بها كأهم الإنجازات الاقتصادية فحسب، وإنما واكبها وضوح خطابها السياسي، برؤية أكثر وضوحاً وتعاملا، مع دول العالم ومن ضمنها المملكة العربية السعودية.
فالزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، تعطي مؤشراً ايجابيا ورغبة الجانبين في توثيق هذه العلاقة، وإن كانت تلك الرغبة أكدتها علاقات قائمة منذ زمن، إلاَّ أن هذه الزيارة التاريخية شكلت منعطفا تاريخيا جديدا، وتحالفا يعتمد على المصالح المشتركة بين الشعبين، وقناعة تامة لاختصار وكسب الوقت، وتعويضا لفترة زمنية مضت من عمر العلاقات المتبادلة، لتأخذ أسلوبا جديدا في سياسة العمل المشترك بين القياديتين، تؤكدها القرارات السياسية والمنهجية الفكرية Intellectual methodology، على مستوى القيادات السياسية والتقارب بين المملكة والصين في المرحلة الراهنة.
هذا التقارب السعودي الصيني بهذا الحجم ووضوح الرغبة السياسية Political will، واكبها متغيرات ثقافية وأيدلوجية خاصة فرضتها روح التسامح والاحترام المتبادل، وثوابت حوار الحضارات واستقراء التاريخ، ومن الواضح وفي سياق النصوص التاريخية، التي تؤكد بأن حضارة خمسة آلاف سنة، لازالت تمتلكها الصين في مخزونها الثقافي الحضاري، يجعلها في مقدمة الدول الرائدة حضاريا، وفي مقابل ذلك يجعلنا نفخر بحضارتنا، ذات الأربعة عشر قرنا، نمت وترعرت في بلاد الحرمين الشريفين، وحمل رسالتها العظيمة قادة الإسلام الأوائل، ويتداولها من اعتنق الإسلام منهم، فهذا الامتداد التاريخي لآلاف السنين، إنما هو دليل قاطع على عمق الحوار الحضاري.
لهذا كان اهتمام المملكة بتدريس اللغة الصينية، في التعليم العام والجامعي مطلبا حضاريا، وتطبيق عملي للتعاون الثقافي Cultural cooperation، بين المملكة والصين ونافذة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين الصديقين، وهو ما أشار إليه الأستاذ مبارك العصيمي، والمتحدث الإعلامي بوزارة التعليم، مؤكدا بأن التوجيه السامي الكريم، نصَّ على وضع خطة لتدريس اللغة الصينية، والتنسيق بين الجهات المختصة ذات العلاقة، مبيناً بأن اللغة الصينية تُدَرَّس في بعض الجامعات السعودية، وأن الصين من بين الدول التي يتم ابتعاث الطلاب السعوديين إليها، لافتا إلى أنَّ معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ مهتمًّا بهذا التنوع الفكري والبُعد الحضاري.