جدة – البلاد
القطاع اللوجيستي بالمملكة أحد أهم ركائز التنمية المستدامة، والاقتصاد المتنوع برافديه الحكومي والخاص، لما يشمله من مرافق حيوية وخدمات ضخمة دخلت حيز التطوير الفعلي لاستثمار هذا القطاع الحيوي ، لما له من قدرة عالية على النمو وتوفير فرص عمل واسعة للمواطنين.
ومؤخرا دشن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، “برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية” كأحد أهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر في “رؤية المملكة 2030″، من حيث التأثير الإيجابي على الاقتصاد غير النفطي ، الهادف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية.
لأول مرّة على مدى مسيرتها ، تشهد المملكة برنامجا تنمويا شاملا ، لإحداث التكامل بين القطاعات الحيوية المستهدفة في برنامج تنويع مصادر الدخل العام وهي: (الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية) بما يحقق تطويرا نوعيا للصناعات السعودية ، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وبالتالي مضاعفة الصادرات غير النفطية ، وخفض الواردات ، ومحصلة ذلك تقوية شرايين الاستدامة الاقتصادية وزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية الرئيسية ، وبهذا تسجل المملكة ريادة نوعية في المنطقة وعلى مستوى كثير من دول العالم ، بهذه الانطلاقة المتكاملة لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
هذه الحقائق أوضحها بالأرقام معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد بن عبدالعزير الفالح خلال فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار 2018 ، بأن برنامج التطوير يستهدف بحلول عام 2030م ، زيادة إسهام قطاعاته الأربعة المذكورة ، في الناتج المحلي إلى 1.2 تريليون ريال، وتحفيز استثمارات بقيمة تفوق 1.7 تريليون ريال، ورفع حجم الصادرات غير النفطية إلى أكثر من تريليون ريال، فضلاً عن تنمية سوق العمل من خلال استحداث 1.6 مليون وظيفة جديدة.
أما النتائج فجاءت -ولله الحمد- عاجلة غير آجلة خلال فعاليات تدشين البرنامج ، بما يجسد الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – لبناء مستقبل الوطن ، وتوجيهاتهما الكريمة بالتخطيط والتنفيذ الدقيق لهذه السياسة الاقتصادية السديدة واستشرف أهدافها ، وفي هذا تابع المواطنون بل والعالم باهتمام هذه النتائج الواعدة التي أشار إليها في حينها الوزير خالد الفالح ،
حيث تم عرض 65 فرصة استثمارية متميزة ذات عائدات مجزية، تقارب قيمتها 80 مليار ريال في قطاعات البرنامج الأربعة (الصناعة – التعدين – الطاقة – الخدمات اللوجستية) من خلال “غُرف الصفقات” لعقد اللقاءات المباشرة بين المعنيين بالفرص الاستثمارية، وبين مؤسسات القطاع الخاص الراغبة في الاستثمار، وبالفعل تم توقيع 37 اتفاقية ومذكرة تفاهم، والإعلان عن 29 اتفاقية ومذكرة تفاهم أخرى ستوقع لاحقاً بين الجهات الحكومية المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص، بإجمالي فاق التوقعات ، حيث بلغت محصلتها نحو ( 205 مليارات ريال) وكان قد سبق الإعلان عن أكثر من 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم تم توقيعها على هامش منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار 2018″، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 210 مليارات، منها 165 ملياراً في إطار برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
عبقرية الجغرافيا واستثمارها
تتمتع المملكة بعبقرية الجغرافيا وموقعها الاستراتيجي عند مفترق طرق تجارية دولية مهمة تربط آسيا وأوروبا وإفريقيا، يعد الأمثل لتوزيع السلع على مستوى دول المنطقة وكذلك دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يبلغ إجمالي ناتجها المحلي 9 تريليونات ريال ويقطنها 647 مليون مستهلك ، وطريق آسيا – أوروبا التجاري، الذي يشهد عبور 12 في المائة من تجارة الحاويات العالمية سنويا.
هذه المزيا للموقع والممرات الملاحية العالمية منح موانئها أهمية كبيرة على مدى التاريخ وتزداد أهميتها الاستراتيجية في حاضر ومستقبل حركة التجارة العالمية ، وميزة تنافسية عالية ، حيث سيوفر برنامج التطوير اللوجستي منظومة متقدمة من الخدمات لحركة التجارة بين دول الخليج العربي أووروبا وآسيا، من حيث الطاقة وتوفير المعلومات الملاحية المتقدمة والخدمات البشرية المختلفة ، وذلك من خلال الأنشطة اللوجستية الرئيسية والمساندة ومنها النقل والشحن والتخزين والصناعات التحويلية والتغليف والتوزيع ، وامكانية توفير المنتج النهائي أو مواد الخام في الوقت والسعر المناسب لإعادة التصدير. وهكذا تبدو أهمية الخدمات اللوجستية في التنافس العالمي ، والتي وصفها البنك الدولي بأنها العمود الفقري للتجارة العالمية.
ويتفق خبراء الاقتصاد على أن المملكة بثقلها الاقتصادي ومزايا موقعها وامكانتها الضخمة وخطط الاستثمار ، ستكون الأكثر قدرة والأوسع نشاطاً اقليميا في الخدمات اللوجستية والصناعة والنقل ، كما أشار تقرير أعدته شركة الأبحاث العالمية “سوليديانس” إلى أنّ المملكة ستصبح خلال سنوات قليلة مركزا رئيسيا لحركة وتطوير التجارة العالمية ، وارتفاع حجم البضائع المنقولة في المملكة من 300 مليون طن في عام 2005 إلى 900 مليون طن بحلول عام 2020 م ، وهذا سيفتح مجالات سريعة وواسعة للاستثمارات في قطاع الخدمات اللوجيستية ، وهذا يساعد طبقا لـ لشركة الاستشارات العالمية “برايس ووترهاوس كوبرز” على نمو معدّل التبادلات التجارية بين الاقتصادات المتقدّمة والاقتصادات الناشئة إلى 4 تريليونات دولار بحلول عام 2030م تحظى منها المملكة بنسبة مميزة من خلال سوق الخدمات اللوجستية ، خاصة وأنها تمثل نحو 55 % من إجمالي السوق الخليجية، فيما ترتفع التوقعات بأن يصل حجم القطاع إلى 94 مليار ريال عام 2020.
منظومة النقل والشحن
وضمن مقومات الخدمات اللوجستية المستهدف تعزيز اسهامتها في موارد الاقتصاد الوطني ، تأتي خطط تطوير منظومة الموانئ ، والتوسع في شبكات النقل الداخلية والمطارات والخطوط الحديدية، وهو يعزز حركة نقل الأفراد وخدمات الشحن البري والبحري والجوي ، وسهولة أكثر في تنقل البضائع والمنتجات وزيادة الفرص الاستثمارية ، بالتوازي مع نمو الفرص الوظيفية لاستقطاب السعوديين والسعوديات في هذا القطاع.
ومجددا مع لغة الأرقام وطبقا لمعالي وزير النقل خلال مشاركته في مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية الذي انعقد مؤخرا ، بأن حجم قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة بلغ حاليا أكثر من 65 بليون ريال، ومن المتوقع أن يرتفع إلى نحو 70 بليون ريال بحلول عام 2020 م ، مؤكدا أن منظومة النقل وشركائها من القطاع العام والخاص كافة، تعمل يداً بيد لتحقيق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة وتنمية صادراتها غير النفطية.
في السياق نفسه وبحسب تقرير للهيئة العامة للاستثمار ، فقد بدأت خطط المملكة لاستثمار 112.5 مليار ريال في ترقية موانئ المملكة لتمكنها من التنافس العالمي، بينما تستثمر المملكة 337.5 مليار ريال بعمليات تطوير موسعة للبنى التحتية للطرق والسكك الحديدية فيها. كما أشار التقرير إلى أن الإنتاج الصناعي في الملكة يشكل نسبة 90 % من الصادرات غير النفطية، ما يعني أن صناعة الخدمات اللوجستية تتأهب لدفعة كبيرة بعد أن تستقر في محاورها الجديدة في المدن الصناعية المركزية ، متوقعا زيادة سوق الشحن بنسبة 6.4 في المائة ليصل إلى 71.25 مليار ريال بحلول عام 2020 م.