إن ما نخسره في حياتنا ، غالباً ما يكون بسبب التضييق على الآخرين أو إغلاق منافذ الهروب في وجههم ، إن عدم صبرنا على هفواتهم ، كثيراً ما يصيبنا في مقتل ، ولعله من الخطاً بمكان أن تنتصر على موظف كان ساعدك الأيمن في العمل ومثالاً في العطاء يوماً ما ، ثم تحرجه أمام الآخرين لأنه كذب في تبرير بعض إجازاته أو قصر في أداء بعض مهامهه ، ثم تذهب بعيداً فتتوعده بالطرد أو العقاب أو الحسم من الراتب إن هو كرر ذلك ، وبهذا الموقف ، قد تدفعه نحو الاستقالة لأنه شعر بالإهانة وتتسبب في تعطيل صيرورة العمل ، وقد ترهق نفسك أيضاً في البحث عن بديل ربما لا يشبهه أبداً في الانتاجية والانتظام .
من الحكمة أن تتخذ قرارك بكل تأّنٍ قبل أن تقدم على محاسبة العمال ومعاتبة الأصحاب وتغيير مسير الأبناء ، فالآباء الذين يتغافلون عن سقطات الصغار فلا يعاقبوهم على كل شاردة وواردة ، يربحون تربيتهم على المدى الطويل ، والمعلم الذي يركز على مادته العلمية دون الالتفات إلى شذوذ بعض الطلاب وتعليقاتهم السخيفة هو الأقدر على انجاح العملية التربوية ، والإعلامي اللامع هو الذي يستطيع التحاور بذكاء مع مختلف طبائع الناس ويترفع عن الشائعات وترهات الغيورين ، كما أن السياسي الناجح هو الذي يقترب من نبض الشارع ولا يغرق في وحول القيل والقال وكثرة المهاترات ، ورجل الدين الحقيقي هو الذي لا ينفر الناس من تطبيق أحكام الدين ، بل يدعوهم إلى الموعظة الحسنة ويكون هو أول المحسنين ,والعالم الفذّ هو الذي ينكب على قراءة الدراسات والأبحاث ويخلق المزيد من الانجازات دون النظر إلى توافه الأمور وسفاسف الأشياء .
إن التغافل عن بعض الزلات الصغيرة والتركيز على ما هو أهم وأجدى هو فن يتطلب مهارات في الذكاء الاجتماعي والعاطفي . فلنكن أذكياء في بناء علاقاتنا الانسانية ناجحين في استثمار مخرجاتها ، ولنراجع أنفسنا بعد كل حين ونطفاً نار العصبية عند كل اشتعال ونتعامل بحذر وهدوء مع مثيري الشغب والقلاقل ، ولنتذكر دائماً أننا بالصبر والتخطيط الجيد نصنع التغيير الذي نريده في الآخرين ، ويبقى التجّمل والتغافل هو ورقة التوت التي تسترنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ..
وفي هذا يقول الإمام الشافعي : لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات ، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف ..