أملج – مسعود الفايدي/مكة المكرمة – أحمد الأحمدى
أكد عدد من المختصين فى مجال التربية وحقوق الإنسان وأطباء نفسيين ، على أهمية دور الأسرة في تحصين المراهقين ضد الأفكار غير السوية ومنها الهروب لاسيما المراهقات ، وذلك من خلال ترسيخ لغة الحوار القائم على الاحترام المتبادل ، وغرس روح الود والتواصل المستمر مع الأبناء ، ودرء أسلوب التخويف والتعنيف الذي يعطي نتائج عكسية ، مؤكدين على ضرورة الحد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد بمثابة آفة العصر ، لكونها تجعل المراهقين يعيشون تحت ضغط طوفان التزييف والتضليل فى عالم من الوهم ، مما قد يدفع البعض إلى الوقوع في حبائل أشخاص ومنظمات ماكرين ، يستهدفون بحيلهم الخبيثة تفكيك روابط الأسرة وضرب استقرار المجتمع على حد سواء.
“البلاد” طرحت القضية على عدد من الاستشاريين والمختصين ومواطنين ، للمساهمة في ترسيخ الرسالة التربوية الحية ووعي لايغيب عن هذه الأمانة العظيمة تجاه أبنائنا وبناتنا.
في البداية يرى طلال المفلح مستشار المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي ومؤسس المبادرة الوطنية للتنمية المستدامة ، أن المجتمع السعودي تعرض في السنوات الأخيرة لغزو فكري وحملات إعلامية ممنهجة لتشويه فكره وتغيير حياته المحافظة على جميل القيم والتقاليد الأصيلة التي لاتتعارض مع التطور الاجتماعي والمعيشي إنما تضبط سياقها وحدودها، واستبدالها وتحصينها من مفاهيم الانسلاخ من تعاليم الدين الحنيف ، والروابط الأسرية.
ويضيف قائلا: هناك حملات غربية ممنهجة تتمثل فى نشر صور لنساء تعرضن للعنف والتعذيب وإيهام الفتيات من خلال استثارة العواطف على أنها حدثت داخل المجتمع السعودي وهي خلاف ذلك، وأدت تلك الحملات لإقناع بعض الفتيات من خلال إيهامهن بأن الفتاة خارج الوطن تتمتع بكامل الحرية والاستقلال وأن المنظمات الدولية ترحب بهن وذلك من خلال الإغراق المعلوماتي المزيف في شبكات التواصل الاجتماعي على تويتر او الانستجرام أو الواتساب، وتشكيل جبهات مضادة ضد من يعارضهم بالمجتمع عبر اختلاق قصص وهمية تدار من مجموعات معادية لمحاولة تشكيل رأي عام وهمي ونشر الترندات المزيفة لتشويه الصورة الإيجابية عن المملكة ورسم صورة سلبية لدى المتلقي عن المجتمع المحافظ واستدراج الفتيات وإقناعهن.
وأكد المفلح على ضرورة نشر الوعي لدى فئات المجتمع وتبني حملات مضادة للحملات المشبوهة لكشف مدى خطورتها ، وتعريتها من خلال نشر القصص الموثقة الحقيقية وعرض بعض ما يحاك خلف الكواليس من مؤامرات وما تتعرض له أية فتاة مراهقة تهرب خارج الوطن واستخدامها كأداة لتمرير الأجندة التي يسعون لتحقيقها ضد بلادها.
تربية واعية لهذا الزمان
ويشاركنا الرأي الدكتور صبحي الحارثي أستاذ علم النفس والتربية الخاصة بجامعة ام القرى بقوله : إن مواقع التواصل الاجتماعى أو العالم الافتراضي المولع به المراهقون من جيل الشباب ، أحد الوسائل التى تدفع الأبناء للهروب ، فقضية هروب مراهقة كالذي حدث مؤخراً لم يكن عشوائياً، كوّن كل شيء كان معدا سلفاً للفتاة منذ تفكيرها في الهروب حسب ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، مضيفاً أنه بلا أدنى شك أن بلادنا مستهدفة لأسباب كثيرة ، في مقدمتها الحسد على مكانتها وترابط أبنائها وتلاحمهم الوطني ، والنقلة الاقتصادية والاجتماعية والتغييرات على كافة الأصعدة ، معربا عن أمله في وضع حد لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للمراهقين من خلال الأسرة ، حتى يتم إعادة النظر في سياساتها التي تستهدف الربحية والتدخلات الخبيثة بغرض هدم المجتمعات.
وأضاف “الحارثي” أن الأسرة لها دور كبير للقضاء على ظاهرة هروب الفتيات ، فبعض الآباء والأمهات لا يزالون يتبعون نهج (نربي أولادنا كما تربينا) وينسون أن الزمن تغير وأن هناك وسائل تؤثر على تربية الأبناء وتختلف من وقت لآخر، منوهاً بتأثير المنظمات المتطرفة والمعادية على عقول بعض المراهقين مما قد يغرر بالبعض فى سن صغير ، لهذا لابد من التعامل معهم بشكل خاص بواسطة الاستماع لهم والتعامل مع المتغيرات وبناء العلاقة مع الأبناء بالحوار القائم على الاحترام ، والابتعاد عن أسلوب التخويف ، ومناقشتهم فى كل شيء يفكرون فيه ويطرحون به أسئلة وان كانت غريبة ، وعدم استخدام عبارة هذا حرام – أو هذا عيب – مما يخلق لديهم إما إحساسا بالذنب الدائم أو العناد ويترتب عليه لجوء الأبناء إلى مصادر خارجية تشاركهم أفكارهم ، فبالحوار البناء القائم على العقل ننتقل بهم لبر الأمان.
ولفت الحارثي إلى أنه من الحكمة أن يكون هناك منهج أسري مؤسس للخطوط العريضة للعلاقة الأسرية بين الآباء والأبناء المبنية على الأخلاق والقيم والدين والبر ، ويتم مناقشة المتغيرات أولا بأول دون إهمال أو تأخير ، والحكمة في هذا الزمن تكمن في التقنين الحكيم والتقليل من الانفراد بالعالم الشبكي المعلوماتي وأمواجه المخيفة من خلال إشغال وقت الأبناء بالهوايات والمهارات وتعويدهم على المشاركة في تحمل المسؤولية داخل الأسرة ، وهذا يفيدهم ويحفزهم ، وقبل هذا كله الدعاء لهم في جوف الليل بالهداية والسلامة والتوفيق.
الهروب ليس حلا
من جانبه يرى الدكتور سالم باعجابة عضو هيئة التدريس بجامعة جدة أن هروب الفتيات ليس ظاهرة بل حالات نادرة جدا لا تُذكر ، مطالبا فى الوقت ذاته بعدم اللجوء للهروب كحل فى حال حدوث أي مشكلة أسرية مهما كانت ، لكون الدولة متكفلة بمساعدة أي فتاة معنفة آو معتدى عليها ، فقد تم استحداث رقم هاتف موحد هو 1919 ليتم التواصل من خلاله مع أية فتاة أو امرأة لديها مشكلة عائلية حيث يعمل هذه الرقم على مدار الـ24 ساعة. لتلقي البلاغات إضافة إلى إيجاد دور إيواء ومراكز استماع وتدخل فوري لحماية المرأة آو الفتاة من آي عنف اسري .
ويضيف أن الدولة وفرت لجانا مختصة لإصلاح ذات البين في كل مناطق ومحافظات ومراكز المملكة مزودة بوسائل اجتماعية وتقنية عدة ، من بينها إجبار المتعدي على الفتاة أو المرأة التوقيع على تعهد بعدم التكرار ، وفي حال تكرار ذلك يطبق على المعتدي القانون بالسجن والغرامة ، مشيراً إلى أن من أسباب الهروب هو الخلافات الأسرية وصعوبة حلها وعدم اللجوء لمثل هذه المراكز واللجان المختصة التي وضعتها الدولة لحلها لمحاسبة المعتدين.
** التربية هى الأساس
من جانبه أرجع ماجد الرفاعي الاستشاري الأسري الأسباب التي تدفع الفتاة للهروب، إلى إهمال الوالدين واتباع أسلوب العنف والتفكك الأسرى ، فتلجأ الفتاة للبحث عن الاستقلالية واثبات الذات من خلال صداقة رفقاء السوء وإقامة العلاقات غير الشرعية، مؤكداً على أن حالات هروب الفتيات محدودة ولم تصل إلى حد الظاهرة ولكي تتفادى الأسرة حدوثها عليها تربية الأبناء تربية سليمة وعدم التفرقة بينهم وزرع الثقة وقوة الشخصية وتكوين صداقات مع الأبناء وتبني لغة الحوار ونشر الحب بين أفراد الأسرة.
التأديب بضوابط
فيما قالت الدكتورة نجوى الفواز عميدة الكلية الجامعية في أملج ، إنه مع مرور السنوات وتقدم الحضارات وتطورها فإن القيم في كل مجتمع تختلف في معاييرها من منظور إلى آخر والمرأة بكيانها وخصوصياتها تعد عنصرا أساسيا ومحركا تسعى الدول والحكومات إلى الاهتمام بتكوينه وحقوقه في ظل ضبط ممارساتها وسلوكياتها التي تختلف باختلاف الدين والأعراف، من هنا يظهر مفهوم التأديب والتعنيف ، فكلاهما مطرقة وسندان ، لهما ضوابط وأصول وحدود أسسها الشرع وحرص الدولة على حماية الفتاة في ظل تطبيق هذين المفهومين باتزان من خلال المراقبة القضائية والرعاية الاجتماعية ،
موضحة أنه على الرغم من هذا فإن لكل قاعدة استثناء، حيث تظهر حالات التعنيف التي تتجاوز التأديب والتوجيه الذي يقود الفتاة إلى الإحساس بالذل والإهانة، فتبدأ الفتاة البحث عن طرق أخرى للراحة بعيداً عن هذا التعنيف ، ولكن ليس بالهروب إلى المجهول إنما إلى أطواق النجاة من القنوات التي وجهت اليها الدولة فتياتها للجوء اليها فى حالة استشعارها التعنيف .
وأشارت الفواز إلى أنه في ظل العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي التي ترسم للفتاة حياة مثالية وهمية في ظل تغيب الأسرة وعدم وعيها بالأفكار الخبيثة التي تبثها هذه الوسائل الى فتياتهم وبالتالي عدم ملاحظتهم بالتغيرات التي تطرأ على سلوكهن، يجب على الأسرة الوعي بهذه الأمور والإدراك بظاهرة تغيب الفتاة وشرودها ذهنياً وتواصلها مع أشخاص مجهولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحمايتها وتوعيتها قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه .
مثالية الغرب المزيفة
ويقول الدكتور عبد الله بن ابراهيم بن يوسف الزهراني أستاذ الدراسات العليا بجامعة ام القرى، لعل من أهم أو من أبرز عوامل انحرافات النشء بصورة عامة التفافه حول قنوات منحرفة تبث أفلام يعيش فيها عالماً خيالياً من المثالية المزيفة ، والتى لا تمت للحقيقة والواقع بأية صلة .
ويضيف” الزهرانى” أنه من العوامل التي تساعد الفتيات على الهروب للخارج ، استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والتنقل إلى الحسابات المختلفة، والتي تبدأ بالتعارف وتنتهي بالوقوع كصيد ثمين لأولئك الناقمين الحاقدين على المملكة العربية السعودية وحكامها، الراغبين في تغذية المجتمع بالتمرد على الدولة انطلاقا من حقد دفين قد لا تستوعبه الفتاة المغرر بها إلا بعد حين.
التأثر بمعتقدات الغرب
كما اتفق الدكتور رجب بريسالي استشاري الطب النفسي بمستشفى حراء العام والملك خالد للحرس الوطني مع ما سبق بالقول إنه لاشك أن الانفتاح الإعلامي الكبير والتأثر بعادات وتقاليد المجتمع الغربي له أثر كبير في ظهور تلك المشكلة المحدودة ولله الحمد مع وجود أيادٍ خفية هدفها قطع النسيج الأسري السعودي المتماسك لأهداف سياسية قذرة وهى النيل من المكانة الكبيرة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية على كافة المستويات في العالم ودورها الريادي والقيادي.
العائلة والوالدان
وتقول اريج الجهني الأخصائية الاجتماعية بمركز الخدمة الاجتماعية بمكة المكرمة أن الأصل في موضوع هروب الفتيات هو العائلة والتربية، حيث أن الوالدين هما أساس التربية والقدوة الحسنة، فإذا كانت معاملة الوالدين للأبناء طيبة، قائمة على الدين الصحيح المعتدل وحرية التعبير عن الرأي ، حتى لو كان خاطئا، فإن ثمرة هذه التربية ستكون طيبة وتتمتع بشخصية قوية مؤثرة .
و”تضيف “بعد دور الأسرة تأتى المدرسة والأصدقاء والمجتمع الخارجي والإعلام والانترنيت. جميعها عوامل مؤثرة جدا.لكن إذا كان هناك أساس جيد وقوي من العائلة فإن الأبناء لن يتأثروا بأية مغريات تدفعهم للهروب مهما كانت ، فى حين إذا كانت هذه الأسس بها خلل فمن الطبيعي أن الأبناء وخاصة الفتيات سيجدون الحل لمشاكلهم خارج الأسرة ،وسيؤدي ذلك إلى التمرد على الوالدين أو الهرب للمخدرات أو الهروب إلى أي مكان سواء داخل او خارج البلد ، هذا يؤدي إلى ندم الطرفين لكن ماذا يفيد الندم بعد فوات الأوان؟!.
من جانبها قالت مها الجهني – طالبة في المرحلة الثانوية- : من الضروري طرح برامج توعوية للفتيات مثل برامج محاربة فكر الإرهاب والتطرف، لزيادة الوعي لحمايتهن من الوقوع فريسة في يد من يغرر بهن ويغريهن بحياة وردية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وان كان هناك من عنف اسري حقيقي فالدولة خصصت رقما لتلقي البلاغات على رقم 1919 ، ومن يبحث عن نصرة نفسه من ظلم سيجد من يساعده ولكن اعتقد أن هناك من يقنع الفتيات ويؤثر عليهن بالخفاء ويسهل لهن إجراءات الخروج فكيف ومتى تم شراء تذاكرها وتحديد جهتها مالم يكن هناك أمور تم ترتيبها .
كلكم راع
أخيرا تؤكد الدراسات على أهمية دور الأسرة ومؤسسات المجتمع التربوية والإعلامية في هذا العصر لتحصين الشباب وخاصة الفتيات وتوجيههم في التعامل مع بعض المتغيرات المعاصرة، مثل شبكات التواصل الاليكتروني، الذي أصبح قوة تأثيرية لا يستهان بها، لشدة لصوقه وتكرار التعرض له، ، والعمل على شغل أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة بدلا من اهدارها في عالم افتراضي خفي المقاصد ومتشعب المسالك النفسية وغسل الأدمغة ونصب الشراك والغواية الذهنية لانحراف فكري أو قرارات خطيرة كالهروب وغير ذلك من أخطاء قد يقع فيها مراهقون ومراهقات نتيجة تعرضهم لتلك المصائد دون وعي بخطورة مايدس لهم من سم في عسل الخداع والوهم، كذلك برامج البث التي تنطوي على المخاطر والأضرار، والمطلوب من الأسرة أن تقوم بمسؤوليتها بفعالية أكثر لأنها المحضن الأساس للشاب وبدرجة أهم للفتاة، امتثالا للتوجيه النبوي: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…)) .