أنقرة ــ وكالات
أصدرت السلطات القضائية التركية أوامر اعتقال بحق نحو 100 ضابط وموظف عسكري في حملة تشمل 26 ولاية تركية،ووفقاً لقناة “الحرة” شملت أوامر الاعتقال التي أصدرها الادعاء العام في أنقرة 35 ضابطا في القوات البحرية التركية منهم 10 ضباط على رأس عملهم.
فيما أصدر الادعاء العام في مدينة كونيا (وسط)، أوامر اعتقال بحق ستين موظفا عسكريا.
وفي حملة أمنية موازية تشمل 11 ولاية، أصدر الادعاء العام في إسطنبول أوامر باعتقال 42 شخصا.
وتتهم السلطات التركية كل هؤلاء، بالانتماء لما سمي ـ”تنظيم إرهابي مسلح”، هو جماعة فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بالوقوف خلف محاولة الانقلاب في صيف 2016.
وفى سياق منفصل سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عبر تحقيق صحافي قامت بإعداده الصحافية المخضرمة كارلوتا غال، مديرة مكتب الصحيفة في إسطنبول الضوء على أوضاع الأتراك في ظل 17 عاما من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتقول غال: بعد انقلاب عام 2016، شن أردوغان حملة قمع كاسحة. وفي عام 2018، تراجع الاقتصاد التركي وانهارت العملة التركية بعد أن تم إعادة انتخابه بسلطات أكبر. وبينما يستشري وباء المحسوبية والسلطوية وينتشر إلى أعمق مفاصل في إدارته، يقوم الأتراك هذه المرة بالتصويت بشكل مختلف، حيث لم يستخدموا أصواتهم ولا أقلامهم وإنما أقدامهم.
فوفقاً لإحصائيات الحكومة التركية والمحللين، ينزح الأتراك من البلاد بأعداد كبيرة، في هجرة للمواهب ورؤوس الأموال، بأسلوب يترجم حالة من فقدان الثقة، على نطاق واسع ومثيرة للقلق، في رؤية أردوغان.
وتضيف غال، البريطانية الجنسية والحائزة على جائزة “بوليتزر” للصحافة كعضو في فريق صحافي قام بتغطيات فارقة من أفغانستان وباكستان عام 2009، إنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لم يقتصر الفرار من تركيا على الطلاب والأكاديميين فحسب، بل شمل أيضاً رجال الأعمال وآلاف الأفراد الأثرياء، الذين يبيعون كل ممتلكاتهم وينقلون عائلاتهم وأموالهم إلى الخارج.
ووفقاً للمعهد التركي للإحصاء، هاجر أكثر من ربع مليون تركي في عام 2017 بزيادة قدرها 42% عن عام 2016.
ويرى مدير الدراسات متعددة الجنسيات في جامعة “ريجنت” في لندن، إبراهيم سيركجي، أن موجات من الطلاب والمعلمين سبق أن قامت بالهجرة في فترات سابقة، إلا أن الموجة الأخيرة من النزوح تبدو وكأنها إعادة ترتيب أكثر ديمومة للمجتمع، وتهدد بتراجع تركيا لعشرات السنوات إلى الوراء. ويؤكد سيركجي أنها حالة حقيقية لـ”هجرة العقول”.
وتشمل الأسباب الخوف من الاضطهاد السياسي والإرهاب وانعدام الثقة المتعمق في النظام القضائي وتعسف الأحكام القضائية وتدهور مناخ سوق الأعمال، الذي سادت فيه المخاوف من أن أردوغان يتلاعب بشكل غير مباشر بإدارة الاقتصاد لمصالحه الشخصية ومصالح دائرة ضيقة من أعوانه.
وبالتالي، فإنه ولأول مرة منذ تأسيس الجمهورية التركية منذ ما يقرب من قرن من الزمان، جرى إقصاء للعديد من أبناء الطبقة الثرية العريقة، لاسيما النخبة العلمانية، ليحل محلهم الأغنياء الجدد القريبون من أردوغان وحزبه الحاكم.
ومن بين النماذج التي نزحت من تركيا مؤخراً، ميرف بايندير، التي تبلغ من العمر 38 عاماً، والتي انتقلت إلى لندن بعدما كانت من أهم مصممي القبعات التركية في منطقة نيسانتاسي الراقية في اسطنبول.
وقالت بايندير في مقابلة أثناء رحلة العودة إلى اسطنبول الشهر الماضي لبيع منزلها، المؤلف من 4 طوابق، ولإغلاق ما تبقى من نشاط علامتها التجارية “ميرفي بايندير” الذي كانت تديره مع أمها: “إننا نبيع كل ممتلكاتنا”.
وشاركت ميرف بايندير بفاعلية في احتجاجات عام 2013 ضد محاولة الحكومة لتطوير ميدان تقسيم في اسطنبول. وقالت إنها لا تزال تعاني من الصدمة جراء العنف والخوف الذي اجتاح مدينتها.
وكان أردوغان آنذاك قد شجب واستنكر خروج تلك المظاهرات، ووصف المتظاهرين بأنهم “من الجانحين”، ومن ثم تعرضوا لعمليات اعتقال ومضايقات كثيرة اضطرتهم فيما بعد للهروب من البلاد.
وأضافت بايندير: “إن هناك الكثير من التمييز، ليس فقط على المستوى الثقافي ولكن الشخصية، ويشوبه غضب وعنف يستحيل التعايش معه”. وشرحت قائلة: “إذا كان لديك شيء أفضل وترى أنه يتلاشى، فهو إذن مسار يائس”.
وتقدم آلاف الأتراك من أمثالها بطلبات للحصول على تأشيرات عمل في بريطانيا أو برامج التأشيرات الذهبية في اليونان والبرتغال وإسبانيا، والتي تمنح المهاجرين الإقامة إذا قاموا بشراء عقارات بمستوى معين. كما تضاعفت طلبات اللجوء في أوروبا من قبل الأتراك في السنوات الثلاث الأخيرة، وفقا لسيركجي، الذي درس هجرة الأتراك إلى بريطانيا على مدى ربع قرن.
ويقدر سيركجي أن عشرات الآلاف استفادوا من مزايا تأشيرات العمل للانتقال إلى بريطانيا في السنوات القليلة الماضية، مع ملاحظة حدوث قفزة حادة في عدد الطلبات منذ بداية عام 2016، حيث وصلت إلى ضعف عدد الطلبات التي تم تقديمها في الفترة من عام 2004 إلى عام 2015.
وأضاف أن طلبات المواطنين الأتراك للحصول على اللجوء السياسي قفزت 3 أضعاف في بريطانيا في الأشهر الستة التي تلت المحاولة الانقلابية، و6 أضعاف بين الأتراك المتقدمين بطلب اللجوء في ألمانيا، وفقاً للبيانات الإحصائية والأرقام الصادرة عن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. كما قفز عدد الأتراك المتقدمين لطلب اللجوء في جميع أنحاء العالم من حوالي 10000 إلى أكثر من 33000 في عام 2017.
وكانت نسبة كبيرة من هؤلاء الفارين من أتباع فتح الله غولن، المعارض التركي المقيم في بنسلفانيا، والذي يتهمه أردوغان بالتحريض على انقلاب عام 2016، أو الأشخاص المتهمين بأنهم أتباع له، وغالباً ما تكون تلك الاتهامات بناء على أدلة واهية.
وقال مدير شركة “كوندا” لاستطلاعات الرأي، بيكير أغيردير، إن هجرة رأس المال والقوى العاملة والعقول المفكرة والمواهب هي نتيجة جهود متعمدة من أردوغان لتحويل المجتمع. وإنه بفضل تقديم الإعانات وإسناد العقود التفضيلية، ساعدت الحكومة الشركات الجديدة على الظهور، لتحل محل شركات قديمة سريعاً، فيما يعد عملية “نقل لرأس المال الجاري في إطار عملية هندسة اجتماعية وسياسية”.
وحذر إيلكير بيربيل، وهو عالم رياضيات يواجه اتهامات بالتوقيع على عريضة السلام وترك تركيا لتولي منصب في جامعة “إراسموس” في روتردام بهولندا، من أن تركيا تفقد مواطنيها بشكل دائم. وقال بيربيل، مستشهدا بالمناخ السياسي المستقطب في البلاد: “إن الناس الذين يغادرون لا يريدون العودة، وهذا يثير القلق بشأن مستقبل تركيا”.
وأشار إلى أنه تلقى “العديد من رسائل البريد الإلكتروني من الطلاب والأصدقاء الذين يحاولون الخروج من تركيا”.
وقال إرهان إركوت، مؤسس جامعة MEF في اسطنبول، التي تدرس الابتكار وريادة الأعمال، إن الطلاب يعانون من حالة يأس في حدوث تغيير، وذلك بشكل جزئي لأنهم ببساطة منذ مولدهم ونشأتهم وعلى مدى 17 عاماً، وأردوغان يتولى السلطة، ويستطرد مضيفاً: “إن هذه هي الحكومة الوحيدة التي رأوها، ولا يعرفون أن هناك إمكانية أخرى”.
وقال سيركجي من جامعة “ريجنت” إن الأسر التركية تنشئ شركات في الخارج لكي يتم توريثها للجيل القادم، مضيفاً أن العديد من الطلاب في الجامعة الخاصة التي يعمل بها، يندرجون تحت هذه الفئة.