باريس ــ فرانس برس
في وقت ما تزال فيه الحكومة الفرنسية تكابد، من أجل إخماد احتجاجات أصحاب “السترات الصفراء” ، حتى تفجرت حركة احتجاجية أخرى تحت مسمى “السترات الزرقاء” التي لم تكن في حسبان الحكومة.
فقد أعلنت كبرى نقابات قوات الشرطة عن “يوم أربعاء أسود” تنديدا بظروف العمل الصعبة، وللمطالبة برفع رواتب أفرادها، وصرف مستحقاتهم المالية عن ساعات العمل الإضافية.
وأطلقت النقابة على هذا الاحتجاج “السترات الزرقاء”؛ لأن لون اللباس الرسمي للشرطة أزرق، وكذلك استلهاما للزخم الذي صاحب الاحتجاجات الشعبية المعروفة بالسترات الصفراء، والتي أجبرت الرئيس ماكرون على التراجع عن بعض القرارات، التي سببت هذه الاحتجاجات.
وجاءت احتجاجات السترات الزرقاء، والمقصود بها الشرطة الفرنسية، في أعقاب 5 أسابيع من احتجاجات السترات الصفراء.
واستمرت احتجاجات السترات الزرقاء يومين، لكنها توقفت بعد أن توصلت نقابة العاملين في الشرطة، إلى اتفاق مع الحكومة الفرنسية بوقف الإضراب، الذي شمل إغلاق مراكز الشرطة في بعض المناطق، باستثناء الحالات الطارئة.
واشتكى رجال الشرطة من الإرهاق والإنهاك وساعات الدوريات الطويلة، بالإضافة إلى العجز المستمر في الاستثمار الحكومي في التجهيزات، التي أوصلت دوائر الشرطة إلى مرحلة “حافة الانهيار”، بحسب القائمين عليها.
ونظمت الشرطة خططا نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر أمام مركز الشرطة في شارع الإليزيه، وهو نفس المكان تقريبا الذي واجهوا فيها محتجي السترات الصفراء.
وشارك في احتجاج السترات الزرقاء السلمية نحو 80 عنصرا معبرين عن غضبهم، وشارك بعض محتجي السترات الصفراء معهم لإظهار تضامنهم مع احتجاجات الشرطة.
وقال نائب رئيس حركة “الحشد من أجل الشرطة الغاضبة” غيوم لوبو: “لا تتوافر لدينا الوسائل؛ لأن نكون متواجدين في كل مكان في الوقت نفسه.. علينا أن نتخذ خيارات، وهذا الأمر ليس طبيعيا”.
والشهر الماضي عثر على شرطية ضمن “مجموعة الشرطة الغاضبة” ميتة في شقتها، بشبهة الانتحار، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وعزت نقابة رجال الشرطة ظروف العمل بالوقوف وراء انتحار عناصر الشرطة؛ إذ ارتفعت معدلات الانتحار بينهم بنسبة 36 في المئة، مقارنة بمعدلات الانتحار بين الناس العاديين، وفقا لتقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي.
وبلغ عدد عناصر الشرطة الذين انتحروا في العام 2018 حوالي 30 شرطيا، غالبيتهم انتحروا بمسدساتهم، حيث انتحر آخرهم في حديقة مكتب رئيس الوزراء في نوفمبر الماضي.
وتعهد وزير الداخلية كريستوف كاستنير بتعديل الظروف، مشيرا إلى أن الأولوية ستكون للتجهيزات والمباني، وأقر بأنه من غير الجائز استمرار الظروف غير المقبولة لهم، في إشارة إلى عدم دفع أموال لهم مقابل ساعات العمل الإضافية.
واتفقت الحكومة مع نقابة رجال الشرطة على تأجيل المطالبة بالتعويضات، وتحديد ساعات العمل إلى يناير المقبل، مع العلم أن قيمة ساعات العمل الإضافية غير المدفوعة تصل، بحسب النقابة، إلى نحو 275 مليون يورو.
وتوجت جهوده أصحاب السترات الزرقاء الأولية بالحصول على زيادة في الرواتب تتراوح بين 120 و150 يورو شهريا، بينما هددوا الرئيس الفرنسي بأنهم سيواصلون الاحتجاج إذا لم يستمع إلى مطالبهم، خصوصا فيما يتعلق بالاقتطاع من الميزانية الأمنية.
إلى ذلك، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخطأ قرار زيادة الضريبة على الوقود، قائلا لنشطاء نجحوا في جمع 1,15 مليون توقيع على التماس ضد الخطوة التي تراجعت عنها الحكومة بالفعل: “أنتم على حق”.
ووصف ماكرون الالتماس الذي يورد عدة طرق لمحاربة التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري من دون الحاجة إلى زيادة الضرائب بأنه “تشريع المواطنين”.
وكتب ماكرون متوجها إلى المليون شخص وأكثر الذين وقعوا الالتماس على “تشاينج دوت أورغ” بالقول: “سمعت رسالتكم، وأنا أجيب عنها بشكل مباشر، أنتم على حق”.
وذكّر ماكرون الموقعين بأن حكومته ألغت الضريبة، وأنه لا زيادة في أسعار الوقود أو الكهرباء خلال فصل الشتاء.
وفيما أكد ماكرون أن خفض استهلاك الوقود الأحفوري الذي يسهم بالتغير المناخي هو ضرورة، أضاف، أنه “لا يجب ألا نضع مشاكل نهاية العالم بشكل متعارض مع مشاكل نهاية الشهر”، في إشارة إلى غضب حركة “السترات الصفراء” حول كلفة المعيشة في فرنسا وصعوبة تأمين الاحتياجات كل شهر.