مكة المكرمة – أحمد الأحمدي
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أن المملكة العربية السعودية، التي قامت على منهج الوسطية والاعتدال، والتي تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، سوف تواصل، بإذن الله، التزاماتها ومبادراتها، بما يحقق آمال المسلمين.
جاء ذلك في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر رابطة العالم الإسلامي “الوحدة الإسلامية – مخاطر التصنيف والإقصاء” بمشاركة أكثر من 1000 شخصية من القيادات الدينية والفكرية والأكاديمية من 127 دولة، والتي ألقاها نيابة عنه، حفظه الله، أمس، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة مستشار خادم الحرمين الشريفين.
وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين:
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله
سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، رئيس هيئة كبار العلماء…
معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي…
أصحاب السمو .. والفضيلة .. والمعالي ..
الحفل الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أرحب بهذه القامات الإسلامية الشامخة، على صعيد أم القرى، وأفيائها القدسية.
ويشرفني أن أنقل إلى جمعكم المبارك، أطيب تحيات خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز راعي المؤتمر، وقد أنابني لإلقاء كلمته هذه إلى مؤتمركم الموقر :
الحفل الكريم …
أثمن عالياً تداعي هذه النخبة من علماء الأمة الأجلاء إلى هذا المؤتمر؛ اسشعاراً لواجبهم الشرعي في رأب الصدع المهدد لأمتهم، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، والاتفاق على خطاب واحد، نتوجه به إلى العالم.
والأمل معقود، بعد الله، على هذه المشاعل الوضاءة بالعلم الراسخ، لإقالة عثرات الأمة، وتحقيق وحدتها الجامعة، التي ليست موجهة ضد أحد، بل تسعى للتضامن؛ من أجل خير الإنسانية جمعاء.
وإن نظرة سريعة إلى واقعنا المعاصر، كفيلة أن ندرك ضرورة تجاوز الصور السلبية التي أثقلت حاضرنا، وتلك التراكمات التاريخية، وآثارها على مسار الأمة الإسلامية؛ لذا فنحن مدعوون إلى نشر الوعي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، واستيعاب سنة الاختلاف، من خلال مد جسور الحوار والتفاهم والتعاون، نحو الوفاق والوئام والعمل الجاد، والنظر للمستقبل بأفق واعد مفعم بروح الأخوة والتضامن.
وقد أحسنت رابطة العالم الإسلامي، باختيارها “مخاطر التصنيف والإقصاء” عنواناً لهذا المؤتمر، وجعلت “تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة” أحد محاوره؛ سعياً لجمع كلمة علماء الأمة ودعاتها ومفكريها، للبناء على المشتركات، والتقريب بين الرؤى، وترشيد ثقافة الخلاف، والعمل طبقاً لوسطية الإسلام واعتداله، التي انتشرت على أساسهما حضارته، لتغطي نحو ثلثي العالم.
الحفل الكريم ..
إن عالمنا الإسلامي بأسره، يتطلع اليوم إلى هذا الجمع المبارك، ويضع كل آماله في أن يتصدى مؤتمركم الموقر للمعوقات التي تحول دون قيام وحدته الجامعة، وترسخ حالة الفرقة والشتات، والتنازع الذي حذرنا منه المولى – جل وعلا- في قوله الكريم: ” … وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” .
ولا شك أنكم تجتمعون اليوم لمهمة ليست بالهينة، نظراً لكونها تعالج تراكمات كثيرة، وعداءات أكثر من الناقمين على أمة الإسلام، الذين يجردون حملة شرسة على دينها وأخلاقها وثقافتها وحضارتها، وينسبون للإسلام ما ليس فيه، مستغلين انحراف الغالين في الاتجاهين، لكنكم بعزائمكم القوية وعلمكم الراسخ، قادرون، بإذن الله، على تحقيق هذه الوحدة الإسلامية الجامعة، حلم أبناء أمتكم على امتداد المعمورة، كي تستأنف الأمة دورها التاريخي قدوة حسنة للعالم أجمع.
والمملكة العربية السعودية، التي قامت على منهج الوسطية والاعتدال، والتي تشرف بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، سوف تواصل، بإذن الله، التزاماتها ومبادراتها بما يحقق آمال المسلمين.
أسأل الله، جل وعلا، لكم التوفيق والسداد في مهمتكم الجليلة، وأن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكانت أعمال المؤتمر قد بدأت بالقرآن الكريم، ثم القى مفتي لبنان الدكتور عبداللطيف دريان كلمة، أشار فيها إلى أن المؤتمر جاء لجمع كلمة العلماء والدعاة ، وتقريب وجهات النظر حول قضايا الوحدة الإسلامية وترسيخ مفاهيم وقيم الوسطية والاعتدال ، وتعميق أواصر التآخي والتآلف بين المسلمين، ونبذ خطاب التفرق والتشتت والتصنيف والإقصاء، وإشاعة ثقافة الوحدة، في هذا الزمن الحرج والدقيق من تاريخ أمتنا ، موضحا أنه يجب علينا أن نناضل؛ من أجل الحفاظ على هذه الوحدة؛ ومن أجل ان تظل دعوتنا واحدة .
عقب ذلك، ألقى رئيس المجلس الأعلى في الجزائر الدكتور بوعبدالله محمد غلام الله، كلمة أوضح فيها أن المؤتمر الذي ينعقد اليوم في بيت الله الحرام برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين سوف يكون له شأن عظيم إذا تمكن المشاركون فيه من رفع أكف الدعاء الى الله، سبحانه وتعالى، أن يلهم قادة الدول الإسلامية رشدهم وأن يقشع سحائب العداوة والشك فيما بينهم ، وأن يبعث في قلوبهم إيماناً ويقضه بأن خيرهم ليس فيما يملكون ويسيطرون، وانما خيرهم وخير أمتهم التي أسلمتهم قيادها في أن يبعثوا الثقة فيما بينهم وأن يجمعوا ليس بهدف شن الحرب على غيرهم وإنما فقط لحماية أوطانهم ومواطنيهم وحماية ثرواتهم، التي يجب أن تصرف فيما بين الأوطان ويرفع شأن الأمة ويحمي بيضة الإسلام .
إثر ذلك، القى مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور شوقي علام كلمة، شكر فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر في هذا الظرف العصيب .
وأكد على أن دعم المملكة، أمر تمليه علينا عروبتنا وإسلامنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “.
وأشار إلى أن الأمة الإسلامية ابتليت بفرق ما أنزل الله بها من سلطان، تحت أسماء مختلفة ورايات متعددة وشعارات متباينة وغايات واأداف ظاهرها الرحمة، وباطنها وحقيقتها الهلاك والعذاب ، مبيناً أن الخطر المحدق فليس ي الاختلاف وحده، لأن الاختلاف عن اجتهاد صحيح ونظر سليم ضرورة عقلية وظاهرة صحية ، وإنما الخطر الحقيقي في ظاهرة إقصاء الاخر المخالف والحكم عليه بالكفر والمنابذة، وهذا مما يضعف الأمة ويهدد سلامتها وأمنها ووحدتها .
وقال: ” إن المنهج العلمي الصحيح الذي استقرت عليه اجتهادات جهابذة الأمة الإسلامية من لدن أصحاب الرسول، صلى الله عليه وسلم إلى يومنا الحاضر، وأن اختلاف الأمور الاجتهادية الظنية، التي لا تمس من ثوابت الدين أو العقيدة ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة ولا تخرق اجماعاً قطعياً ، فإن الامر فيها هين والخلاف حولها مستساغ، وهو من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل التضاد .
ثم القى الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي الدكتور يوسف بن احمد العثيمين كلمة، شكر فيها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حفظهما الله، على الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر الدولي المهم والذي يأتي امتداداً واستكمالاً لمواقف المملكة الواضحة والثابتة تجاه قضايا العالم الاسلامي، وريادتها الروحية، ودعمها المتواصل لكل ما يجمع ويوحّد شمل المسلمين.
وأوضح الدكتور العثيمين أن الله، سبحانه وتعالى، امتدح المسلمين بقوله: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) في تأكيدٍ ربانيٍ يدعم وحدة الأمة الإسلامية، ومصيرها المشترك، وهو ما يلقي بمسؤوليات جسام على دولنا الإسلامية للعمل على تحقيق مقتضيات تضامن الأمة، واجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، وتجاوز كل ما يفرق لُحمتها ويضعف قوتها، والتوافق حول المشتركات التي تعزز من تكاملها، وتدعم تماسكها، وتؤسس لتعاون بين دولها أكثر اطمئنانا، في ظل المقاصد المقدسة لهذا التوجيه الرباني.
وقال الدكتور العثيمين: ” إن المسلمين ابُتليوا بمهددات ومخاطر من الداخل بسبب التصنيف والإقصاء والتنابز واجتراح الأوصاف التي تصبغ مكونات الأمة بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان، فكان نتيجة ذلك اتساع المسافات، واختلاف القلوب، وتباعد الغايات، فاغبرت المسالك، وتاهت الخطى، وتشتت الهدف، وأصبح كل حزب من المسلمين بما لديهم فرحون. وإن أشدَّ ما يتعجب له العاقل أن يحدث هذا الشتات”.
وأفاد الدكتور العثيمين أن منطلقات وحدة الهدف والمصير وتحقيق مقاصد التضامن الإسلامي، ليست لمصلحة المسلمين فحسب وإنما هي أيضا لصيانة العلاقة بينهم وبين غيرهم من بني البشر، فالله، سبحانه وتعالى، خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، ونتعايش، ونُسهم مجتمعين في عمارة الأرض التي استخلفنا الله عليها.
وأشار الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي إلى أنه من هذا المنطلق قامت منظمة التعاون الإسلامي قبل نحو خمسين عاما، على يد رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز، تغمده الله بواسع رحمته، وهي الآن في رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيزـ حفظهما الله ـ يولونها الرعاية والعناية والاهتمام ويحافظان على استقلالها منصة ًجامعةً للدول الإسلامية بمختلف مذاهبهم وأطيافهم، هذا الموقف السعودي المبدئي إنما هو تأكيد على أن التضامن الإسلامي هو مبدأ راسخ في القناعة السعودية، لا تحيد عنه تحت أي ظرف كان.
وابان أن وحدة الأمة الإسلامية وتضامن دولها لا يعني بحال التفريط في مكتسبات كل دولة على حدة، فقوة الأمة مجتمعة، علامة ظاهرة على قوة مكوناتها على الصعد الوطنية. ولذلك فقد أجمعت دول العالم الإسلامي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، والعمل في ذات الوقت على تكثيف التعاون وتبادل المصالح والمنافع، واستمرار التنسيق الذي يخدم الدول الأعضاء.واوضح الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي أن الإفراط في اعتناق المشتتات الأيديلوجية قد أفضى إلى التطرف والغلو، وشط بعض المسلمين في تمسكهم بما يفرق الصف، ويحزّب الأمة، ويقصي مكوناتها، فقادهم ذلك إلى التطرف والعنف والإرهاب، وأصبحوا أدوات في خاصرة الأمة يؤلبون عليها شعوب العالم ويشوهون حقيقة الإسلام الناصعة، ومبادئه السمحة، ووسطيته واعتداله.
واثنى على جهود المملكة الصادقة لتنقية الإسلام من تلك الأفكار المتطرفة، على يد فئات ضالة حاولت اختطافه، وعملت على تقسيم العالم إلى فسطاطين؛ خير مزعوم نصبت نفسها بباطلها على رأسه، وشر مزعوم وضعت فيه بقية مكونات الأمة ومعهم الإنسان في كل مكان، وهدفت بهذا التصنيف خلق مواجهة مسلحة في حروب بالأصالة أو الوكالة تؤدي في نهاية المطاف إلى هلاك الحرث والنسل، وتعطيل شعائر الله، وسفك الدماء المعصومة، وتأليب الأمة على بعضها من جانب، وتأليب أعدائها عليها من جانب آخر.
وقال: ” إن المملكة اتخذت خطوات جريئة وسنت سياسات حازمة وسحبت البساط عن مدعي التدين وعرّت حججهم ونزعت عنهم الغطاء الشرعي الذي أوهموا به العوام. وأصبحت التجربة السعودية محل تقدير واهتمام دول العالم الإسلامي تستفيد منها وتستفزع بها، لتؤكد بلاد الحرمين الشريفين أنها المرجع الموثوق في كل ما يتعلق بالإسلام، ويلتف حولها علماء الأمة الإسلامية من أمثالكم لتكونوا المرجع في تجديد الخطاب الديني، ومحاربة التطرف ونشر الاعتدال والوسطية، وهي المقاصد الأسمى لاجتماع الأمة وتعزيز السلم والأمن في العالم.
وأفاد أن منظمة التعاون الإسلامي تحمل على عاتقها مسؤولية توحيد جهود الدول الإسلامية في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتعمل عبر أجهزتها المتخصصة والمتفرعة على تمتين أواصر التضامن بين دول العالم الإسلامي. وقد أسست المنظمة في هذا السياق العديد من الأجهزة التي تعمل على تمتين الوحدة الإسلامية كمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يعمل على توحيد الفتوى في العالم الإسلامي وتقريب وجهات النظر بين المدارس والمذاهب الإسلامية ، بالإضافة إلى تأسيس صندوق التضامن الإسلامي الذي يوحد جهود المسلمين في مساندة بعضهم البعض من الشؤون الإنسانية والدينية، كما أسست المنظمة العديد من المؤسسات والمنظمات الأخرى التي يزيد عددها عن العشرين منظمة وجهازاً تعمل جميعها على تمتين الوحدة بين المسلمين في تجلياتها السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والتربوية.
وكشف أن منظمة التعاون الاسلامي قامت بإنشاء إدارة باسم الحوار والتواصل؛ بهدف مد الجسور بين مختلف الأطياف دون تمييز، من أجل مكافحة نزعات الإقصاء والتصنيف ، وكذلك التعاون الوثيق مع هيئات كبرى لتحقيق ذات الغرض مثل رابطة العالم الإسلامي و مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، هذا فضلا عن المشاركة في جميع الندوات والملتقيات التي تحارب ظاهرة التصنيف والإقصاء، وتدعو للقاء والحوار والتواصل؛ سواء بين أتباع الدين الواحد أو الأديان الأخرى انطلاقا من التأكيد .بعد ذلك القى رئيس مجلس الامارات للإفتاء الشرعي رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الدكتور عبدالله بن بيه، كلمة بين من خلالها أن الوحدة مفهوم إسلامي عظيم يشمل جميع دوائر الوجود الإنساني ويغطي جميع العلاقات الفردية والجماعية والدولية ، مبيناً أن الإسلام دين التوحيد ودين الوحدة ووحدة الشعور والشعائر .واكد ان روح الاقصاء التي يحذر منها المؤتمر تنبع اساساً من الانغلاق الذي يسبب رفض الاخر وإساءة الظن به والاهتمام بقيم الاعتدال التي هي الدواء الناجع للتنطع والتشدد .
ثم القى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى كلمة قال فيها: ” إنّ هذا اللقاء الوحدوي في تقريبه للرؤى والاجتهادات، والتفافه حول المشتركات، دافعاً بمشاعر الأُخُوّة الإسلامية نحو التطلع الأمثل، محذراً من مخاطر التصنيف والاقصاء، مع تعزيزه لمفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة، يُعدُّ الأول من نوعه “كماً وكيفاً” تحت مظلة رابطة الشعوب الإسلامية في رحاب مكة المكرمة، ويَصحًبُ التقدير الكبير للهيئات والمؤسسات الإسلامية الحكومية والأهلية الحاضرة معنا اليوم التشرف بشخصيتها أيضاً، وذلك لمتانة كل منهم في العلم والفكر الشرعي قبل وصفه المؤسسي، فهذا اللقاء الاستثنائي هو في المرتبة الأولى لقاءُ كبار علماء ومفكري الأمة المشهود لهم بالرسوخ من قبل الجميع.
وأضاف: ” إنه عندما نجد أن عموم مفتيي العالم الإسلامي وكبار علمائه معنا اليوم ملبيِن دعوة الرابطة لموضوع هذا المؤتمر المهم، منعقداً في الرحاب الطاهرة، ندرك يقيناً أن وجدان سادة الأمة في العلم والفكر ينطوي على خير وفير، مبشراً بمستقبل أكثر وعياً وعطاءً في مواجهة مخاطر الشقاق والفرقة والتطرف والإرهاب ومخاطر النظرة العَجلَى نحو الآخر غير الإسلامي، في زمن يتطلب مزيداً من التأني والحكمة والنظر بتمعّن في المآلات، علاوة على أهمية سبق الجميع بحصن النوايا وإرادة الخير لهم، فهذا المؤتمر جاء في سياقة الهداية الربانية؛ حيث يقول الحق سبحانه: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
وأفاد الدكتور العيسى أنه لقاء الحوار والتقارب والخطط العملية لتحقيق التطلعات التي نتوخاها جميعاً من مخرجاته، وما أحسن أن يكون الأخ قريباً من أخيه حَسَنَ الظن به، يبادره بقبول عذره وتفهُّم سنة الله في الاختلاف والتعدد مع تبيان ما يراه حقاً وصواباً بالحكمة والموعظة الحسنة، دون استعداء ولا استعلاء ولا تشهير، فضلاً عن مجازفات التكفير ونحوه.وأشار الى ان استطلاعات الرابطة التشخيصية أثبتت أن السبب الرئيس لعددٍ من السلبيات والتداعيات يكمن في ثلاثة أمور هي: ( غياب الحوار المنفتح بأدبه العالي، فالإنسان عندما ينغلق على نفسه أو على مجموعته الخاصة فإنما يدور حول ذاته في حلقةٍ مفرغة تستحكم مع الزمن، منكفئةً على نفسها ومتوجسةً من غيرها ، والسجالات العقيمة بين المذاهب والطوائف بذرائع واهية عادت بمفاسد تفوق مصالحها المتوهمة، وشاهدُ ذلك حالة التداعي المُطَّرد بينها، وغير خافٍ أنّ بيان الحق يسبقه التأليف والرحمة واللين مع الجميع، كما هو خُلُقُ الإسلام الرفيع، مع اليقين بأنّ كلاً منَّا مكلفٌ بالبلاغ فحسب، ومن ضاق ذرعاً بعد ذلك، أو زاد عنتاً وشغباً فقد نكث أخوة الإسلام وسمته ، واخيراً التهافت السلبي على الريادة الروحية في خصوص شأنها العلمي والفكري وهنا نقول: إنه لا ريادة حصرية في ذلك لأي فرد ولا مؤسسة؛ إذ لا كهنوت في الإسلام، كما أنّه لا عصمة لأحد بعد نبينا الكريم –صلى الله عليه وسلم- وكل تهافت في هذا هو -في ثاني الحال- دعوةٌ لطلق السعة العلمية مع القاء الآخرين وفرض الهيمنة عليهم من جانب واحد مع احترازنا في هذا إلى أهمية إرشاد العموم لسؤال أهل العلم والإيمان في افرادهم ومؤسساتهم، كما أننا ندعو إلى أهمية التعاون بين تلك المؤسسات والأفراد مع التقدير والإكبار لهم جميعاً .وأختتم الامين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمته بأن حضور هذا المؤتمر جاء من مائة وسبعٍ وعشرين دولة، حافلاً بمشاركة مئات العلماء والمفكرين والباحثين، وباسمهم جميعاً (وهم الوفد الميمون على البلد الأمين) نشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله- على الحفاوة والرعاية ، والشكر موصول لصاحب السمو الملكي مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- على تشريف حفل هذا المؤتمر، نيابةً عن مقام راعيه الكبير، وأصالة عن نفسه؛ حيث عهدت الرابطة من سموه الكريم الدعم والمباركة.
إثر ذلك ألقى سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس المجلس الاعلى لرابطة العالم الاسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ كلمة رحب فيها بصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وبمعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى وبأصحاب المعالي والفضيلة العلماء والمشايخ والباحثين وجميع الحاضرين.
وقال سماحته: ” إن الإسلام قد حث على وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، وتضافرت نصوص القرآن والسنة على ذلك، قال تعالى: (يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَق تُقَاتِهِ وَلَا تموتن إِلا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ * وَاعتصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) .
وأكد سماحته أن الإسلام لم يكتف بالدعوة المجردة إلى الوحدة والاجتماع فحسب، بل خطأ في هذا السبيل خطوات عملية وإيجابية وذلك بإزالة جميع الفوارق بين البشر، وإلغاء جميع أنواع التمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو اللسان أو القبيلة أو غير ذلك، وبين لهم أنهم جنس واحد، ومن عائلة واحدة، أبوهم أدم، وأمهم حواء، ولا فضل لأحد، على أخر إلا بالتقوى.
وبين أن من سمات الأمة المسلمة أن تكون أمة واحدة تجتمع على عبادة الله ، وحده لا شريك له ، والانقياد لشرعه، سبحانه، تسود بينهم الأخوة والمودة والمحبة، يشدّ بعضهم بعضاً، ويتراحمون ويتعاونون فيما بينهم ، مؤكداً أن أهل السنة والجماعة بشكل أخص من أحرص الناس على هذا الأمر، فكان من أهم سماتهم حرصهم على اجتماع الكلمة ووحدة الصف، فالاجتماع فيه الخير والبركة، والفرقة فيه الشر والعذاب ، موضحاً أن في الاجتماع سببا للانتصار والقوة والنجاح، كما أن الفرقة سبب الفشل والهزيمة والهلاك.
وقال سماحته: “مع الأسف إذا تأملنا حال الأمة المسلمة في وقتنا الحاضر نرى غياب هذا الاجتماع بين كثير من المسلمين، ووجود بعض المظاهر السلبية بينهم من التفرق والاختلاف والتحزب والانقسام على الجماعات المتنافرة بل والمتناحرة فيما بينهم، فكان هذا التفرق والتناحر سبباً في وهنهم وذهاب قوتهم وتسلط الأعداء عليهم.