عبدالله صقر- مركز المعلومات
كان الكندي عالمًا بجوانب مختلفة من الفكر، وعلى الرغم أن أعماله عارضتها أعمال الفارابي وابن سينا، إلا أنه يعد أحد أعظم فلاسفة المسلمين في عصره. وقد قال عنه المؤرخ ابن النديم في الفهرست: “أفضل رجل في عصره، فريد في معرفته لجميع العلوم القديمة. يُدعى فيلسوف العرب. تتناول كتبه علومًا مختلفة؛ مثل المنطق والفلسفة والهندسة والحساب وعلم الفلك، وما إلى ذلك”. كتب ابن موسى البيهقي في كتابه السنن والآثار واصفاً الكندي:” إنه كان فاضل دهره، وواحد عصره في معرفة العلوم القديمة بأسرها”. كما اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالي جيرولامو كاردانو واحدًا من أعظم العقول الاثنى عشر في العصور الوسطى.
المنهجية العلمية
“يجب ألا نتردد في إدراك الحقيقة وقبولها بغض النظر عن أصلها، بغض النظر عما إذا كانت من القدماء أو من الأجانب.. هدفي هو أولاً كتابة كل ما تركه لنا القدماء باستخدام اللغة العربية مع مراعاة عادات عصرنا وقدراتنا، لإكمال ما لم يعبّروا عنه تماماً “.
بهذه الكلمات التي شكلت قاعدة له في منهاجه العلمي كتب الكندي رأيه في المعرفة العلمية والوصول إليها كائناً ما كان مصدرها، ولا ريب فالحكمة ضالة المؤمن، وفي هذا يقول الكندي: “علينا أن نأخذ الحقيقة من أي كان، سواء كان مشاركاً لنا في الملة أو لا”.
أدرك منذ البداية ضرورة صياغة منهج دقيق للبحث، فقدم مساهمات مهمة في تطوير المنهجية العلمية. وركز الكندي بقوة على التجريب والأدلة، إضافة إلى ذلك، قدم تأكيداً جديداً على القياس الكمي.
على الرغم من أن الكندي كان في كثير من الأحيان يُكنُ للقدماء مثل “أرسطو” احتراماً كبيراً، لكنه انتقدهم كثيراً بسبب ادعاءاتهم المتعلقة بالفلسفة الطبيعية دون تقديم أي دليل تجريبي.
اتبع الكندي في تحرير كتبه طريقة جديدة لم تكن معتمدة من قبله، فكان يبدأ رسالته بتحقيق وفحص الموضوع، وبعدها يبدأ بتحليله، ثم يخرج من ذلك بما يريد من أحكام ونتائج، ونجده يؤكد على أن التحليل والاستنتاج هما أساس كل معرفة حقة.
الرياضيات أولاً
يعتبر الكندي من بين أهم 12 عالماً أثروا في علم الرياضيات.
كان الكندي يؤمن بأن لكل مبدأ منطقه، فالمنطق فكر مرتب ومنظم؛ لذا اهتم بالرياضيات والهندسة، متبعاً بذلك أسلوب أفلاطون من كون الفلسفة لا تُفهم إلا من خلال الرياضيات بالدلائل والبراهين القاطعة، حيث لا مجال للظن، شأنها شأن المنطق.
وهذه هي المرحلة الأولى التي ينبغي لطالب العلم أن يفهمها حتى يتمكن من فهم باقي العلوم، فيبدأ بالرياضيات، ثم المنطق ليفهم الفلسفة، وبذلك فإنه قد رفع الرياضيات على الطبيعيات، لأنه كان يرى أن كل شيء ممكن حله بالرياضيات والأرقام. وللكندي رسائل تجمع بين موقفي أرسطو وأفلاطون، فقد كان الأول مهتماً بملاحظة الطبيعة والفيزياء والأحياء، أما الثاني فكان مهتماً بالأرقام.
ونجده يحدث أحد تلاميذه قائلاً:” الرياضيات أولاً، فلا سبيل إلى استخدام علم المنطق، إلا إذا سُبق بدراسة علوم الرياضيات، من حساب وهندسة وفلك، فمقدمات المنطق وأقيسته وأشكاله تعتمد على الرياضيات”.
عكف الكندي على تأليف عدد من الموضوعات الرياضية المهمة الأخرى، بما في ذلك الحساب والهندسة والأرقام الهندية وتناغم الأرقام والخطوط والضرب بالأعداد والكميات النسبية. كما كتب أربعة مجلدات، بعنوان “استخدام الأرقام الهندية” التي ساهمت بشكل كبير في نشر نظام الترقيم الهندي في الشرق الأوسط والغرب.
وفي الهندسة، كتب الكندي عن مسلمة التوازي، وفي أحد أعماله الرياضية حاول إثبات أن اللا نهاية فكرة سخيفة رياضياً ومنطقيًا.
التعمية أو التشفير
التعمية أو التشفير المُلغَّز أو الإلغاز، وهي ممارسة بعض التقنيات لتأمين عملية التواصل بوجود أشخاص آخرين الذين يسمون أعداء بإنشاء الأنظمة التي تمنع الأعداء أو العامة من قراءة الرسائل الخاصة. أي بوسائل تحويل البيانات (مثل الكتابة) من شكلها الطبيعي المفهوم لأي شخص إلى شكل غير مفهوم؛ بحيث يتعذّر على من لا يملك معرفة سرية محددة معرفة فحواها.
استعمل العرب هذا المصطلح كناية عن عملية تحويل نص واضح إلى نص غير مفهوم باستعمال طريقة محددة، يستطيع من يفهمها أن يعود ويفهم النص. غير أن في الوقت الحالي كثر استعمال مصطلح التشفير.
يستخدم علم التشفير في التقنيات الإلكترونية، وذلك لغرض تشفير معلومات مهمة؛ مثل الأرقام السرية.
كان الكندي رائدًا في تحليل الشفرات وعلم التعمية، وله مؤلف شهير هو «رسالة في استخراج المعمى» حققه مجمع اللغة العربية في دمشق.
كما كان له الفضل في تطوير طريقة يمكن بواسطتها تحليل الاختلافات في وتيرة حدوث الحروف واستغلالها لفك الشفرات،
كما اكتشف ذلك في مخطوطة وجدت مؤخرًا في الأرشيف العثماني في إسطنبول، بعنوان “مخطوط في فك رسائل التشفير”، التي أوضح فيها أساليب تحليل الشفرات، والتشفير والتحليل الإحصائي للرسائل باللغة العربية.
تميز الكندي بأنه أول من وضع فكرة التشفير والخزائن ذات الأقفال المتعددة، وكان أول من وصف التكرار وكيفية فك شيفرة النص، وقد اكتشفت هذه التقنية سنة 1987م ، ولم يكن معلوماً أن الكندي قد فعل ذلك قبل أكثر من عشرة قرون.