مقالات الكتاب

الحج والطعام (٤)

  • يوم النّحر.

إنَّ يوم النحر من أفضل الأيام وأعظمها عند الله –تعالى، قال –صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ” [رواه أبو داوود]. ففي هذا اليوم يتحقق أحد أهم مقصد من مقاصد الحج، ألا وهو ذكر اسم الله شكرًا على نعمة الأنعام، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج: 36]. “ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلّها، وكانت الإبل أعظمها خلقًا”، “والبُدن جعلناها من شعائر الله، فهي تُعَلّم وتُشعَر وتُسَاق هديًا بالغ الكعبة، فهي شعيرة من الشعائر، يعني مما ينبغي أن يُعَلَّمْ وكأنّه يتحوّل إلى شعار،  فهي مسخّرةٌ لكل ما يحتاجه الإنسان في دنياه وأُخراه”([1]). حتى إذا تهيّأت للأكل فكلوا منها، وأطعموا الجميع المستغني منهم والمحتاج، ليشكر الجميع ربه على هذه النّعمة التي سخرها لهم.

إنَّ ذكر اسم الله عند مباشرة الذبح والنّحر يُشعر الحاج بنعمة تسخير هذه الأنعام ويستدعي في نفوسهم قصة أبيهم إبراهيم مع ولده -عليهما السّلام- وقصة الفداء بالذبح العظيم ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]. فيتعبدون بالذبح والنحر ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر﴾ [الكوثر: 2]. فيقومون به خاضعين خاشعين لله مترفقين بهذه الأنعام متذكرين قصة الفداء.

إنّ ذكر اسم الله على الأنعام عند ذبحها يجعل هذه الحيوانات أكثر هدوءًا وانقيادًا واستسلامًا، مّما يؤثر على عملية الذبح ويجعل خروج الدم أكثر سهولة ويسر، فالحيوانات الخائفة والمرتعبة تصاب بالهيجان والتشنجات مما يحبس الدم في أعضائها لفترات أطول ويؤثر ذلك على جودة اللحم ومذاقه وتهيأته للأكل. فالذبح والنحر عبادة يجب أن تؤدى بإحسان ووفق ما أمر الله حتى تحقق الغاية منها، قال تعالى:

﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج: 37]. إنَّ التوحيد يجعل القلب معلّقًا بالله -تعالى- متقيًا مخبتًا له، ولا ينظر إلى تلك الأمور على أنَّها غايات، بل هي وسائل للتقرّب إليه، ينبغي أن لا يبتدع فيها ولا يخترع ولا يزيد ولا ينقص؛ لأنَّ ما كان له -جلّ شأنه- ينبغي أن يكون خالصًا لوجهه الكريم. فجعلت شعيرة النّحر وسيلة للحصول على تقوى الله –تعالى- وابتغاء مرضاته، بذكر اسمه شكرًا على هذه النعم، وإخلاص التوجه بها له سبحانه.

                                   أحمد حمدين عيسى

                                       بالتعاون مع فريق أزكى

[1]) تفسير سورة الحج، طه جابر العلواني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *