في خِضمّ الحياة، وتعاقب الليالي والأيام، ومعترك العلاقات واللقاءات، وتأمل روابط الصداقات، وروابط الزمالات، وروابط القرابات، وما قد يحتفي بها من علاقات فاضلة، وصِلاتٍ مفضولة.. حينها لن يبقى لك إلا الصديق الصدوق الصادق.. كما جسده لنا الإمام الشافعي في أبياته:
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها
صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعد منصفاً
وهذا السبر لا أقصد به نياحة العلاقات، أو نعي الصداقات، كلّا وحاشا، بل التمسك بالصديق الصدوق، والاعتناء به.. ثم إنّه مادامت علاقة ثنائية إلا بسبب طيبٍ زائدٍ من أحدهما، ثم أنني وأنا أقلّب في صفحات الكتب والمنقولات والروايات، أسَرَنِي كلام بليغ وتجسيدٌ واقعيٌّ لواقع الأصدقاء ذكره ابن الجوزي – رحمه الله – في كتابه صيد الخاطر:
(كان لنا أصدقاء أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب ثم انتبهت لنفسي، فقلت: وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء .فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .إنما ينبغي أن تنقلهم من ” ديوان الأخوة ” إلى ” ديوان الصداقة الظاهرة ” فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى ” جملة المعارف ” ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم ، فقد قال يحيى بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك ،وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، وقد قال الفضيل بن عياض : إذا أردت أن تصادق صديقاً : فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي : فصادقه ، وهذا اليوم مخاطرة ؛ لأنك إذا أغضبت أحداً : صار عدواً في الحال .
وأختم بلفت انتباهكم ، للمحافظة والتمسك بالصديق الصدوق الصادق المنصف ، وأن تقوموا بمبادلته هذه الصفات ، وتكونوا جسور بناء للعلاقات المجتمعية الطيبة ، وأن تَصِلوا أهل مودتكم ، وأن تديموا الفأل وتحسنوا الظن ، وأن تدعوا للجميع بظهر الغيب.