الدولية

أمن البحر الأحمر .. حراك سعودي يبدد أحلام الطامعين ويعيد الوئام لدول المنطقة

جدة ــ البلاد ــ القاهرة – محمد عمر
يرتبط أمن البحر الأحمر بالأمن القومي العربي ارتباط الجزء بالكل. ولهذا، فإن أي مشروع للحفاظ على الأمن في البحر الأحمر يعني، في الوقت نفسه، تعزيز الأمن القومي العربي، كما يتضمن أيضاً الأمن لكل دولة عربية تطل على البحر الأحمر، ولما كان الامر كذلك اولت المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة المحورية في المنطقة أهمية قصوى لهذا الامر، وتفعيلًا لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتحقيق الاستقرار في المنطقة، رعت المملكة اتفاق وزراء خارجية الدول العربية – الإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، على تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن.

وسيمثل اتفاق إنشاء كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن نقطة تحول كبيرة في المنطقة، نظرًا لحساسيتها حيث الحدود السعودية اليمنية، ومصر والسودان وجيبوتي والصومال وأيضًا الأردن، ما يقويها ويحمي البحر الأحمر من الأطماع الإيرانية، والقطرية.
فخلال السنوات السابقة حاولت ايران وتركيا يدفعهما الطمع العبث بأمن المنطقة، من خلال الميليشيات الحوثية وزراعة الألغام والتأثير على خطوط التجارة، والتأثير على الدول المشاطئة لتحقيق مصالحهما، عبر تعكير صفو الأمن والاستقرار، فيما كانت تركيا تحاول إيجاد قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر؛ للاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجي في تحقيق مآربها الإقليمية.
لم تمهل المملكة طهران طويلًا، فمع التراجع الجليِّ لحلفائها في اليمن، الذين أرادت منهم أن ينقلبوا على الشرعية ويكونوا عامل زعزعة في المنطقة، ومدخلًا للنظام الإيراني جنوب المملكة، وما مثله هذا التراجع من خسارة مؤلمة لإيران التي استثمرت في هذه الميليشيات المتطرفة الأموال والأسلحة بل والمقاتلين، جاءت الضربة الثانية من المملكة لإيران بإعلان إنشاء كيان البحر الأحمر وخليج عدن؛ ليمثل صفعة مؤلمة لإيران التي حاولت عبثًا ومنذ عدة سنوات السيطرة على البحر الأحمر الذي بقي يداعب خيالات قادتها وطموحاتهم في السيطرة حتى دفعهم للكذب على أنصارهم، بأنهم يملكون سلطة حقيقية فيه، وهو ما قاله علنًا نائب الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي مخاطبًا حشدًا من قوات التعبئة، “أنتم ترون كيف توسعت حدودنا وتخطت الحدود الإيرانية لتصل إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط”، ملمحًا إلى سيطرة إيرانية على اليمن وتواجد في جيبوتي وإرتيرتيا ومحاولات تواجد في السودان.
ولم يتوقف الأمر بخصوص المهتمين بالبحر الأحمر على دول المنطقة والدول الكبرى، فقد امتد ليشمل الدول البعيدة، والتي تخطط لمستقبل نفوذها في خارطة العالم، ومنها دول جنوب شرق آسيا مثل الصين واليابان.
وبات ضروريا تضافر جهود الدول المشاطئة للبحر الأحمر لتأمين ذلك الممر الدولي الهام، وهو ما يعتبر رافدًا رئيسًا لدعم وازدهار التجارة العالمية، وبحث سبل قطع الطريق أمام التفاف إيران على العقوبات بتسللها عبر البحر الأحمر من خلال سفن تعرف بـ”الأشباح”، والتي تتعمد قطع إشارات الرصد لصعوبة رصدها في البحر الأحمر.
هذه التحركات فطنت إليها المملكة التي لم ولن تقبل المساس بأمن البحر الأحمر، ما دفعها لإيجاد حلول كان أفضلها خلق تعاون وتحالف أو كيان يجمع هذه الدول لتقطع الطريق على مثيري الاضطراب في هذه المنطقة الحساسة، خاصة وأن هذه الدول الشقيقة تعرف جيدًا حرص المملكة على تحقيق الاستقرار والتنمية وهي مستفيدة من ذلك؛ لأن لديها أطول سواحل على البحر الأحمر ومشاريع ضخمة على شواطئه.
ولم يقتصر دور المملكة في حفظ امن واستقرار المنطقة على الاتفاق انف الذكر، فقد أشرفت على مراحل التقارب بين إثيوبيا وإريتريا، حتى توج وتحت رعايتها بالاتفاق التاريخي، الذي وضع منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي على طريق جديد، محققا فتحا من شأنه كتابة واقع آخر بين أديس أبابا وأسمرا، بعدما وقع قائدا البلدين آبي أحمد وأسياس أفورقي، في مدينة جدة ، وثيقة السلام، برعاية خادم الحرمين الشريفين وبحضور ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
ووصف خبراء هذا الأمر، بأنه بمثابة نجاح للمملكة فيما فشل فيه الكثيرون، ودلالة على اهتمام السعودية بتنقية الأجواء بين الدول المتناحرة بالمنطقة؛ للمساهمة في عملية التطوير والتنمية التي تنشدها للمنطقة.
وتستمد منطقة القرن الإفريقي أهميتها أساسًا من ارتباطها الوثيق بالبحر الأحمر الذي يمثل مركز التجارة الدولية؛ حيث نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب، ما دفع المملكة لأن تُوليها اهتمامًا خاصًا نظرًا لقربها الجغرافي ولأهمية موقعها الاستراتيجي، ولوقف التغلغل الإيراني في دول جنوب البحر الأحمر.
ويعد البحر الأحمر أحد أهم طرق الملاحة الدولية التي تنقل نحو 15% من التجارة العالمية، كما يعيش في دوله المطلة عليه أكثر من 200 مليون نسمة.
كما أن القلق على أمن مضيق “باب المندب”، الممر الحيوي لمعظم حركة التجارة العالمية، وما نتج عن محاولة الميليشيات الحوثية السيطرة على هذا الممر، بعد سقوط ميناء الحديدة اليمني في أيديهم، دفع المملكة إلى فطنة هذا الأمر ومحاولة مواجهته عبر اتحادات من شأنها مواجهة تلك الأطماع.
فاللاعبون الدوليون والإقليميون يدركون أهمية البحر الأحمر، ولذلك فقد حرصوا على تثبيت قواهم بشكل أو بآخر في هذه البقعة أو تلك من الدول المعنية به، وكان من بينهم العرب أنفسهم الذين اقترحوا من خلال الجامعة العربية أواخر السبعينات تشكيل قوة مشتركة لمواجهة أية مخاطر محتملة تهدد أمن البحر الأحمر. بالطبع لم تشكل تلك القوة، رغم أن الحديث عن مثيلتها عاد اليوم مع تحقق الاحتمالات القديمة بتهديد الأمن القومي. ليس فقط بسبب تصاعد القرصنة جنوب البحر الأحمر، بل لأن المنطقة العربية برمتها بدأت تشهد تهديدات إيرانية عملية بغية التوسع وبسط النفوذ. إضافة إلى ظهور القاعدة وداعش في كل من اليمن وسيناء.
وقد اشتغلت فرق مراكز الأبحاث العالمية على دراسة الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، وبقي العالم العربي مقصراً كعادته في هذا، رغم أنه الطرف المستفيد الأكبر من ضبط أمن البحر الأحمر وفي الوقت ذاته المتضرر الأكبر من تقدم المصالح المختلفة ليكون لها موطئ قدم في مياهه.
يقول الخبراء العسكريون والاستراتيجيون إنه مع تراجع الحضور البريطاني والفرنسي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فقد تحوّل الأمر إلى تنافس أميركي روسي (سوفييتي). وبظهور المشروع الإسرائيلي ظهرت مشاريع إقليمية منافسة، منها المشروع الصيني والمشروع الإيراني والمشروع التركي.
ويذكر اللواء بحري ركن مسفر بن صالح الغامدي في كتابه تداعيات صراع القوى الخارجية والإقليمية على النفوذ بمنطقة البحر الأحمر إن جميع هذه المشاريع ذات أطماع وأهداف ومصالح تقوم على حساب الأقطار العربية. فإسرائيل سارعت إلى احتواء إريتريا، وإقامة قاعدة عسكرية خاصة بها في ميناء مصوع، والاستفادة من الجزر الإريترية على امتداد ساحلها على البحر الأحمر البالغ أكثر من ألف كلم والذي يضم أكثر من 360 جزيرة.
ومن أهم تلك القواعد قاعدة رواجيات ومكهلاوي على حدود السودان، مع ضمان إقامة قواعد جوية في جزيرة حالب وجزيرة فاطمة ضد مضيق باب المندب، إضافة إلى استئجار جزيرة دهلك التي أقامت فيها تل أبيب قاعدة بحرية.
هذا فيما أجمع عدد من الخبراء فى حديثهم ” للبلاد ” على أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، يستهدف التنسيق والتعاون بينها ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية، وأن يعقد اجتماع قادم لكبار المسؤولين بالقاهرة لمواصلة بحث كافة التفاصيل ذات الصلة بذلك.
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي إن الدبلوماسية السعودية حققت نجاحا كبيرا بإطلاق هذا التحالف من أجل الحفاظ على أمن المنطقة العربية ، مشيرا أن الاجتماع التمهيدى الذي عقد فى الرياض من أجل وضع سياسيات ورؤية مشتركة من الأعضاء من أجل حماية البحر الأحمر من التدخلات الإقليمية.
واعتير هريدي أن التحالف يعكس إدراك المخاطر التي تواجه المنطقة العربية وهو رسالة أن التحالف لن يترك الفرصة لقوى غير عربية بإستخدام البحر الأحمر لتهديد الأمن العربي.
بدوره وصف الأمين العام للبرلمان العربي سابقًا السفير طلعت حامد أن الوطن العربى يشهد تحديات كبيرة فى الوقت الراهن من خلال القوى الإقايمية التخريبية ومعتبرا ان التحالف ضرورة من أجل حماية الأمن القومى العربى مشيدا بإطلاق التحالف الذى يعد مرحلة جديدة من التكامل العربى الفاعل من أجل مواجهة التحديات ، معتبرا التدخل التركى الإيرانى فى المنطقة مدمرا وتخريبيا يسعى لتحقيق مصالح شخصية وأطماع على حساب مستقبل المنطقة .
الى ذلك اعتبر الباحث المتخصص فى الشأن الإفريقى مجدى الشيمى أن التحالف يمثل حصن حماية لأهم ممر دولي للملاحة الدولية وخاصة تجارة النفط، وأيضا مواجهة مخاطر الأمن القومي العربي من قبل قوى خارجية تسعى إلى زعزعة استقرار الدول العربية لتنفيذ أجندتها الإرهابية لاستقرار المنطقة.
وأشار الشيمى أن للبحر الأحمر أهمية كبرى في التجارة الدولية بين أوروبا وآسيا، وتقدر آخر إحصاءات عدد السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر سنوياً بأكثر من عشرين ألف سفينة.
مشيرا أن ثروات البحر الأحمر تقع في نطاق المنطقة الاقتصادية للدول المطلة عليه، إذ يمثل العمق الاستراتيجي لكل من السعودية ومصر، ويتاخم الكثير من المناطق الحساسة ذات التأثير الحيوي مثل منابع النيل وروافده والأماكن المقدسة الإسلامية وخليج السويس كممر ملاحي مهم يقع في البحر الأحمر، وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس وفيه معظم آبار النفط المصرية ومدخله مضيق مهم هو مضيق جوبال ، أما مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر فيمتد في المياه الإقليمية لثلاث دول هي اليمن وجيبوتي وإريتريا ويستمد أهميته من أنه المنفذ الوحيد المتحكم تماماً في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية.
من جانبه يقول الدكتور عادل عامر مدير المركز المصري للدراسات السياسية والإقتصادية أن البحر الأحمر يمثل نظاماً فرعياً من إقليم الشرق الأوسط، ويمثل أهمية استراتيجية للأمن القومي العربي في ثلاث دوائر الأمن العربي والأفريقي والأمن العالمي مركزها القرن الأفريقي. موقع البحر الأحمر الجغرافي أكسبه أهمية استراتيجية كبرى، بما أتاح لقوى إقليمية ودولية الطريق إلى المحيطين الهندي والأطلسي وخاصة بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربية.
ويعتبر الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر وأيضاً نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *